رجوع الشيخ إلى صوابه
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 12 أكتوبر 2009 - 10:22 ص
بتوقيت القاهرة
عاتب جدا على مولانا شيخ الأزهر الذى كسر قلب فتاة فى عمر أحفاده حين وصمها بالقبح.
سألت ابنتى ذات السنوات التسع, ما الذى كانت ستقوله لشيخ الأزهر لو قال لها ما قاله لفتاة المعهد الأزهرى بمدينة نصر فى زيارته له مع بدء العام الدراسى؟ فدمعت عيناها وقالت: كنت سأقول له «دى خلقة ربنا».
الشيخ لم يطق أن يرى فتاة فى الحادية عشرة منتقبة وأنا أوافقه، لكن لتصحيح المفاهيم والسلوك أساليب عديدة نبه إليها ديننا الحنيف، ليس بينها أن يقول أكبر رأس للجماعة السنية فى العالم الإسلامى للصبية إنه يفهم فى الدين أكثر منها ومن اللى خلفوها، ولا أن يطلب منها أن تكشف وجهها وحين تفعل يبادرها بفظاظة لا تليق بعالم دين: طيب لو كنت حلوة شوية كنت عملت إيه؟!
أحاول الآن أن أتخيل موقف المحيطين بالشيخ الجليل وهو يؤنب الطفلة البريئة: هل ضحكوا لما قال واعتبروه دليلا على خفة ظله وسرعة بديهته وهيمنة روح الدعابة على نفسه؟ هل شعر أحدهم بالخجل من ردة فعل الشيخ القاسية فألقى برأسه بعيدا عن المشهد كله وهذا أضعف الإيمان؟ هل كان أحدهم أكثر شجاعة فرد الشيخ إلى صوابه، وذكره أن الدعوة إلى الله بنص القرآن الكريم هى بالحكمة والموعظة الحسنة، وذكره بما خاطب به ربنا حبيبه المصطفى «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»؟، هل حاول أحدهم أن يصلح ما أفسده الإمام فيداعب الفتاة ويطيب خاطرها ويجلى قلبها البض؟
أغلب الظن أن أحدهم لم يفعل، وأن المحيطين بالشيخ من المستشارين والموظفين إما أنهم ضحكوا وأثنوا على روحه المرحة، أو أنهم قلبوا كفوفهم وسحنهم تعبيرا عن الامتعاض من زمن تخلى المصريون فيه عن وسطية ميّزت تدينهم وأزهرهم، لصالح دعوات وهابية متطرفة، دون أن ينتبهوا أنهم قبل غيرهم مسئولون عما جرى وما زال يجرى.
عاد الشيخ إلى داره ونام ملء جفونه، وسارت حياته على وتيرتها باعتباره «موظفا كبيرا فى الدولة» كما يحب أن يصف نفسه، وليس إماما لجماعة المسلمين ورمزا لأكبر وأعرق مؤسسة دينية سنية كما نحب له أن يكون.
أما الفتاة الصغيرة، فلا أظن أن النوم عرف طريقا لجفونها منذ جرحها الشيخ بكلماته، ويقينا فإن هذه الكلمات ستبقى فى ذاكرتها إلى الأبد، والله وحده يعلم إلى أى مصير يمكن أن تقودها، فربما كرهت خلقتها التى أوجدها الله عليها، وربما كرهت مدرسيها الذين شاركوا الشيخ فى جلدها بالسخرية أو بالصمت، وربما كرهت الأزهر كله، بعد أن أهانها أكبر رمز فيه.
نعرف عن الشيخ عصبيته وانفلاته حين يستبد به الغضب، وله وقائع شهيرة كتبت عنها الصحف فى حينها، لكننا نعرف أيضا، وهو يعرف أكثر منا، أن المؤمن الحق هو من يتمالك نفسه عند الغضب.
عندى اقتراح أطرحه على الشيخ الجليل من موقع محبة له وللمؤسسة الدينية العظيمة التى يمثلها: لماذا لا تبادر إلى زيارة ابنتك التى «كسرت نفسها» فى بيتها؟، وأن تحمل إلى أسرتها اعتذارك، وباقة من الكتب التى تشرح لهم صحيح الدين، وتمنعم من الوقوع فريسة بين يدى الجهلاء والمتطرفين والمتاجرين باسم الدين.
وأقسم لك إن فعلتها أن يزيد قدرك بين محبيك ونقادك على السواء، وقبل هؤلاء وأولئك، سيزيد قدرك عند المولى سبحانه، فالاعتذار عن الخطأ من جلائل الأعمال كما علمنا شيوخنا وشيوخك، والرجوع إلى الحق فضيلة، وخير الخطائين التوابون.
أرجوك يامولانا: افعلها.