الاستثمار فى مصر: حل المشكلة ومشكلة الحل

سامر عطا الله
سامر عطا الله

آخر تحديث: الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

أدمنا فى مصر الحلول السهلة لتحدياتنا الاقتصادية. ويتجلى هذا الإدمان فى الترويج المستمر إلى حاجة مصر إلى الاستثمار الأجنبى سواء المباشر أو غير المباشر والاقتراض من الخارج لتعويض ضعف الاستثمار الداخلى.وهو الحل الذى اعتدنا عليه أحيانا وفرض علينا أحيانا أخرى، ففى العقود السابقة إتبعت الحكومات المتعاقبة هذه السياسات سواء لضعفها خارجيا أمام المؤسسات الدولية أو لضعفها داخليا لافتقارها للشرعية الكافية لإجراء تدخل جراحى قاسٍ يعالج المرض الأصلى. فكان الحل المستورد هو اللجوء إلى الخارج وكان التعليل الرسمى هو استيعاب الزيادة المطردة فى المنضمين إلى سوق العمل. وبعد سنوات طويلة من سياسات تشجيع الاستثمار الخارجى لم يتحرك معدل البطالة (وهو قياس مهم لمدى نجاح الاستثمار فى تحقيق أهداف تنموية) قيد أنملة. فكنا كمن يستخدم الأسبرين لعلاج ورم فى المخ، فإذا نظرنا إلى أنواع الاستثمار الأجنبى التى دخلت مصر نجد أن الاستثمار فى قطاع البترول استحوذ على أربعين فى المائة من مجموع الاستثمار الأجنبى المباشر خلال الأعوام من 2004 حتى 2010، وهو قطاع ذو استخدام كثيف لرأس المال فلا يجب أن نعول عليه وحده فى مهمة استيعاب جزء من طاقاتنا البشرية المتزايدة، أما الاستثمار الصناعى لم يكن فيه صناعات كثيفة العمالة وهو ما نحتاجه، حتى أن الاستثمار الأجنبى فى برنامج الخصخصة لم ينتج فرص عمل إضافية بل على العكس قام بعض المستثمرين الأجانب بتخفيض العمالة. وعلى الجانب الآخر غلب طابع الربح السريع قصير المدى على الاستثمار الأجنبى غير المباشر، وأبرز دليل على تأثيره السلبى على الاقتصاد المصرى هو أن 60% من مخزون الاحتياطى الذى فقدناه خلال النصف الأول من 2011 كان نتيجة خروج 6.1 مليار استثمارات غير مباشرة أغلبها مبيعات الأجانب لأذون الخزانة. وحتى إذا فرضنا جدلا أن اللجوء إلى الاستثمار الخارجى كان أفضل الحلول فسياسة الدولة لم تقم بتوجيه هذه الاستثمارات التوجيه الذى يخدم أهدافا تنموية.

 

●●●

 

نحن الآن أمام فرصة تاريخية تحتاج منا إلى الشجاعة الكافية لمواجهة الأمراض المزمنة لاقتصادنا وخيال ثورى لطرح حلول تتناسب مع الظروف الصعبة التى يمر بها غالبية المصريين. حل مشكلة انخفاض الاستثمار فى مصر لن يأتى عن طريق استيراد رأس المال من الخارج لأن هذا الحل أثبت فشله فى تحقيق أبسط الأهداف التنموية. حل المشكلة يبدأ بمعالجة أسبابها الرئيسية، وهو العجز المزمن فى موازنة الدولة. وهناك ارتباط قوى بين عجز الموازنة وانحيازها الفاضح لصالح القادرين ضد غير القادرين. مما لا أتصوره أن ندخل العقد المقبل دون تدخل جراحى فى الموازنة العامة يعيد التوازن بين موارد الدولة ومصروفاتها بالإضافة إلى توجيه دفتها لتخدم الغالبية العظمى من الأسر المصرية. وهذا تحدٍ ضخم يحتاج إلى شرعية سياسية تأتى من أصوات الناخبين بعد أن تراجعت الحكومة الحالية عن الحد الأدنى من سياسات العدالة الاجتماعية، والتى تخفض العجز فى نفس الوقف. فالحديث عن ضرائب تصاعدية حديث بديهى فمن العبث أن تكون الشريحة الضريبية لمن كان دخله السنوى 60 ألف مثل من كان دخله 600 ألف! ومن العبث أيضا أن يدفع من كان دخلهم الشهرى أقل من ألفين جنيه ضرائب، وأن تكون غالبية حصيلة الضرائب من الموظفين والعمال، وهم أكثر من يعانى من ارتفاع الأسعار والضغوط الاقتصادية، فهذا هو الوجه الآخر للإصلاح الضريبى. ومن غير الطبيعى أن تنفق الدولة على مرافق وطرق فى المناطق السكنية الجديدة ليتربح ملاك الأراضى من أرباح فلكية دون ضرائب رأسمالية. أما سياسة دعم الطاقة فحدث ولا حرج! فرفع الدعم عن الطاقة خاصة للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة حديث قديم يؤجل عام بعد الآخر. وأظن أننا تعدينا مرحلة رفع الدعم ووجب علينا الحديث عن فرض ضرائب على الاستخدام الكثيف للطاقة، وهذه ليست بدعة فالضرائب البيئية سياسة اتبعتها دول كثيرة عندما أدركت قيمة الموارد الطبيعية غير المتجددة وتأثيرها السلبى على صحة مواطنيها وكذا بيئتها. وفى نفس السياق فدعم البنزين 92 و95 هو فى حقيقة الأمر أسر فقيرة تدعم وقود سيارات لا تركبها! فمن الطبيعى أن يدفع الراغب فى استخدام وقود عالى الأوكتين ثمنه الحقيقى ومن الطبيعى أيضا أن يدفع ملاك السيارات ضريبة ملكية خاصة فى مدينة مختنقة من الزحام مثل القاهرة بالإضافة إلى علاج عجز الموازنة، فنحن بحاجة إلى تصميم منظومة حوافز توجه الاستثمار الداخلى وتوظف المدخرات القابعة فى البنوك قبل أن نلجأ إلى التمويل الخارجى. فسياسة الدولة يجب أن تكافئ الاستثمار الذى يخلق فرص عمل وينتج منتجات تخدم الطلب الداخلى ويخفف عن كاهل الاقتصاد فاتورة مثقلة من المنتجات المستوردة. وفى نفس السياق على سياسة الدولة أن تعاقب الاستثمار الذى يلتهم موارد دون مردود اقتصادى وتنموى، مثل الاستثمار العقارى الفاخر الذى التهم موارد ضخمة وأنتج غابات من الأسمنت تسكنها الأشباح فى حين تسكن أسر كاملة فى غرفة واحدة بدون ماء وصرف صحى وكهرباء. كل هذا لا يكتمل دون تصميم آليات جديدة تحول مدخرات المصريين إلى استثمارات آمنة عن طريق قطاع بنكى عام وأهلى يخرج خارج المدن الكبيرة ويدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى أرجاء الوطن.

 

●●●

 

لا أعرف متى سنبدأ الحوار حول مشكلات اقتصادنا ونوقف إضاعة الوقت فى مناقشات لا تستهوى ملايين المصريين، حان وقت البدء فى معالجة أمراض الداخل قبل الارتباط بالخارج حان الوقت لنبدأ إنهاء اعتمادنا على التمويل الخارجى فالدول التى اعتمدت على الادخار الداخلى وتوجيه إنتاجها لخدمة أسواقها المحلية هى التى استطاعت أن تقلل من التأثير السلبى للأزمة المالية العالمية. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved