تحيز الغرب الأعمى لدولة الاحتلال

يحيى عبدالمبدي محمد
يحيى عبدالمبدي محمد

آخر تحديث: الخميس 12 أكتوبر 2023 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

يتصرف الرئيس الأمريكى، جو بايدن، منذ السابع من أكتوبر الحالى ومع بدء عملية «طوفان الأقصى»، وكأنه رئيس دولة الاحتلال، يتحدث عن ضحاياها بمشاعر صادقة وقلب مفطور، يرسل الدعم العسكرى الفورى، ويدعو حكومة الاحتلال إلى اتخاذ الرد الحاسم ضد حركة المقاومة فى قطاع غزة، كما يحرض على حصار الشعب الفلسطينى، وربما التخلص من قطاع غزة نهائيا. وبالتزامن مع هذه الممارسات، أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بيانا مشتركا تدعم فيه دولة الاحتلال وتندد بإرهاب المقاومة الفلسطينية. فضلا عن طلب الاتحاد الأوروبى من إدارة تويتر حظر المضمون الداعم للمقاومة الفلسطينية، فى مقابل غض الطرف عن المضمون الداعى إلى إبادة الشعب الفلسطينى والداعم للإرهاب الصهيونى. وقد تبارى المفكرون وأساتذة الجامعات والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعى فى إظهار الحب والدعم لدولة الاحتلال، وكراهية الشعب الفلسطينى و«إرهابه»، أما عن التغطية المنحازة لوسائل الإعلام الغربية، فحدث ولا حرج.
السؤال الذى يتبادر إلى ذهن غالبية الناس فى عالمنا العربى كلما تحيزت المجتمعات الغربية ضد قضية من قضايانا وفى القلب منها القضية الفلسطينية: لماذا لا يرى الغرب الوقائع كما نراها، لماذا ينحاز الغرب انحيازا أعمى إلى دولة الاحتلال وسردياته؟ ما أسباب كيل الغرب بمكيالين أو ازدواجية معاييره؟ كيف يمكن لهؤلاء سواء كانوا سياسيين أو كتابا ومفكرين أو إعلاميين أو مواطنين عاديين تجاهل معاناة الشعب الفلسطينى اليومية الواضحة، والجرائم التى تقوم بها دولة الاحتلال على مدى ٧٥ سنة التى يرتقى بعضها إلى جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقى؟
ولا أزعم فى هذا المقام أن كل الغرب منحاز، فهناك أصوات قليلة داخل المجتمعات الغربية أكثر موضوعية واحتراما لحقوق الإنسان ودفاعا عن حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة ربما أكثر من بعض العرب والمسلمين.
لا أدعى كذلك أن لدى إجابة وحيدة مفسرة لظاهرة تحيز الغرب ضد قضايا العرب والمسلمين خاصة قضية فلسطين، ولكنها محاولة ربما تساعد فى تحليل الظاهرة وفهمها، وربما تبدو الإجابة للبعض مباشرة وبسيطة، وهى كذلك فى جانب منها، ولكنها عميقة ومعقدة فى جوانب أخرى، فظاهرة تحيز أو انحياز الغرب لدولة الاحتلال متواصلة وثابتة لا تتغير منذ عقود إلا فى مواقف ولحظات استثنائية.
• • •

من أهم الأسباب المفسرة لظاهرة التحيز الغربى جملة المفاهيم والقيم الكامنة فى بنية المجتمعات الغربية وثقافتها فى تحديد «الأنا» و«الآخر» وفقا للتصور الاستشراقى المعروف. فمواطن دولة الاحتلال بالنسبة للغربى هو «الأنا»، جزء منه وامتداد له، والصورة الذهنية عنه أنه عادة أبيض البشرة، يحمل الملامح والصفات نفسها، يتكلم نفس اللغة، يفكر بنفس المنطق، يعيش نفس الحياة، يمارس القيم الديمقراطية ويفهمها. أما الفلسطينى، أو العربى أو المسلم فهو «الآخر»، داكن البشرة، عنيف، دموى، تقريبا حيوان (صرح بذلك وزير دفاع الكيان الصهيونى منذ أيام)، يعشق الاستبداد ويمارسه، لا يحترم حقوق الإنسان، ولا يمكن التعايش معه، وبالتالى يمثل «الآخر» الذى لا يرغبون بوجوده.
ربما تكون عقد الذنب التى ترسخت فى الضمير الغربى نتيجة اضطهاد الأوروبيين لليهود فى بدايات القرن العشرين، وقد بلغت ذروتها مع الجرائم النازية الوحشية، والمشاهد المرعبة التى حرصت المقررات الدراسية فى الغرب، وأفلام هوليود على تسجيلها، ليصبح اليهودى فى العقلية الغربية المعاصرة غير قابل للمس أو الانتقاد. ونحن نتفهم ذلك، فقد تعرض اليهود وغيرهم من الأقليات قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية إلى فظائع وجرائم يندى لها جبين الإنسانية، ولكن السؤال هنا: نحن العرب لم نقم بذلك، أنتم من قمتم بتلك الجرائم وشعوركم بتأنيب الضمير وعقدة الذنب لا تعنى قبول جرائم دولة الاحتلال فى حق الشعب الفلسطينى فقط لأنهم يهود. ما لا يفهمه الغرب أو يتجاهلونه أن اليهود عاشوا بيننا قرونا عديدة دون اضطهاد أو تمييز، ولكن معظم العرب يعادون الاحتلال ودولة الاحتلال، وغالبا لا يفهمون معنى تعبير معاداة السامية، فهذه بضاعة الغرب وصناعته.
السبب الثالث فى رأيى يتمثل فى وحدة وتشابه التاريخ، والتجربة الاستعمارية والإمبريالية التى أتقنها الغرب ابتداء من إسبانيا والبرتغال، ثم هولندا وبلجيكا، ففرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا، تلك الدول التى ارتكبت أبشع الجرائم الإنسانية فى دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية خلال الحقبة الاستعمارية، ويضاف إليهم الولايات المتحدة بتاريخها الإمبريالى منذ الحرب العالمية. تشارك تلك الدول الغربية ودولة الاحتلال نفس التجربة والخبرة والشعور بالتفوق والاستعلاء على الشعوب الضعيفة.
إن دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وبقية العالم الغربى، يعتبرون دولة الاحتلال امتدادا لهم ولتاريخهم الاستعمارى، فضلا عن الأهمية الاستراتيجية لوجود هذا الكيان فى خدمة الأجندات السياسية والاقتصادية الغربية فى المنطقة.
لا يمكن فى هذا السياق إغفال دور جماعات الضغط والمصالح الصهيونية التى تشكلت عبر عقود طويلة، وأصبح دورها فى التأثير على السياسات الغربية، خصوصا الأمريكية أمرا واضحا لكل شخص متابع.
من العوامل الثقافية المهمة فى تفسير تحيز المجتمعات الغربية لدولة الاحتلال، البعد الدينى خاصة فى حالة الولايات المتحدة، والتى تنتشر فيها المذاهب المسيحية الصهيونية بقوة خاصة فى الولايات الجنوبية أو ما يعرف بنطاق الكتاب المقدس. تغفل هذه الطوائف كل ما جاء على لسان المسيح عليه السلام من تسامح، وتركز على سفر الرؤيا ومعارك نهاية الزمان. وارتباطاتها الدينية والثقافية بالديانة اليهودية والعقائد الصهيونية وثيقة للغاية.
فى نفس السياق الحضارى والثقافى، تنتمى دولة الاحتلال وفقا لأصحاب نظرية صدام الحضارات إلى الحضارة المسيحية البيضاء التى تسيطر عليها القيم الأنجلوسكسونية فى مقابل حضارات وثقافات العالم مثل الحضارة الإسلامية والحضارة الكونفوشيوسية الصينية.
ويضاف إلى جملة الأسباب ودوافع الانحياز المؤدلج فى الغرب تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا والخوف من الإسلام والمسلمين دون تفكير أو تمحيص، فالمسلم لدى أجهزة الأمن الغربية فى المطارات على سبيل المثال، هو إرهابى محتمل أو على الأقل مثير للشكوك حتى يثبت العكس. وهنا يحدث الخلط بين صورة الفلسطينى المقاوم وصورة المسلح الإرهابى، فكلاهما تمثلات للإرهاب فى المخيلة الغربية. وقد ساهم صعود اليمين المتطرف والشعبوية فى المجتمعات الغربية مؤخرا الترويج لهذه الصور النمطية.
• • •
يتصور البعض أن المواطنين فى المجتمعات الغربية مثقفون وعقلانيون، وهذا تعميم غير دقيق، بل إن معظم عوام الناس فى المجتمعات الغربية بسطاء لا يهتمون كثيرا بقضايا الفكر والسياسة، والصورة التى ينشرها بعضنا على وسائل التواصل الاجتماعى لمواطنين غربيين فى المترو يقرأون دليلا على ثقافتهم ومعرفتهم مضللة، فأغلب من جلست بجوارهم فى وسائل المواصلات العامة فى الغرب يقرأون روايات وقصص بسيطة إن لم تكن تافهة، ولا أرغب فى التعميم. الشاهد هنا أن معظم مواطنى الغرب متلقون مثلهم مثل معظم شعوبنا لما تمليه عليهم وسائل الإعلام والنخب السياسية والفكرية المهيمنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved