غياب السيسى ..وبحر التخمينات
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 - 7:00 ص
بتوقيت القاهرة
مع غياب الفريق عبد الفتاح السيسى عن الظهور العلنى طيلة الأسابيع الماضية، بدأت العديد من القوى الإسلامية المحسوبة على معسكر الإخوان، تثير الشائعات المغرضة حول سر هذا الاختفاء، منها ما يستهدف الترويج إلى أن السيسى مريض يتلقى العلاج فى مستشفى المعادى العسكرى، ومنها ما يدعى أن شركة علاقات عامة أمريكية نصحت السيسى بهذا الاختفاء، حتى يعود للمسرح السياسى بصورة جديدة تمهد له الطريق نحو القصر الجمهورى، فى نفس الوقت الذى تشكك فيه هذه القوى فى صحة لقاء السيسى بوزير الخارجية الأمريكى خلال زيارته الأخيرة لمصر، أو لقائه بالعجوز التى صفعها أحد مهاويس الإخوان على وجهها صباح أولى جلسات الرئيس المعزول محمد مرسى، لتترك لخيالنا حرية الغرق فى بحر التخمينات..!
أنا شخصيا لا أستطيع أن أقرأ بوضوح ما قد يدور فى عقل رجل مخابرات كالفريق السيسى، وما هى طبيعة المعلومات التى تتوافر له بحكم منصبه السابق كمدير للمخابرات العسكرية أو الحالى كوزير للدفاع، والتى قد تدفعه لاتخاذ هذا الموقف التكتيكى أو ذاك، بما فيها طبعا حقيقة رغبته الفعلية فى الترشح للرئاسة، لكن ما أدركه جيدا أن غياب السيسى ــ أكثر من ذلك ــ عن المشهد السياسى الراهن، سيزيد من حالة التوهان والاحتقان التى نكتوى بنارهما حاليا!
حتى الآن، نجح السيسى فى معركتين مصيريتين، الأولى تمثلت فى تدخله فى الوقت المناسب لإنقاذ المصريين من ويلات حرب أهلية مؤكدة بين مافيا الإخوان ومؤيديهم والآكلين على موائدهم والمخدوعين فيهم من جانب، وبين عموم المصريين من جانب آخر، أما المعركة الثانية فهى نجاحه فى أسابيع قليلة فى إصلاح العلاقة المتوترة بين الشعب والجيش، والتى كادت أن تصل إلى مرحلة العداء قبل توليه الوزارة، ورغم ذلك فإننا لو أعدنا فك وتركيب «صورة مصر» بحالتها الراهنة، فنحن بالتأكيد أمام مستقبل لا يبشر بأى خير، رغم مليارات الدولارات التى تقول الحكومة إنها تهب علينا من دول الخليج، ورغم المؤشرات التى تتغنى بها الحكومة أيضا حول ارتفاع مؤشرات البورصة وعودة بشائر السياحة، وزيادة معدلات الإشغال فى الفنادق، ورغم ــ ثالثا ــ أحاديث وزرائها المستمرة عن تنشيط عجلة الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية..!
فمؤشرات السوق السياسى حاليا تشهد صعودا ملحوظا لقوى الفلول، يصاحبه نشاط محموم لوزارة الداخلية لكى تعود لسياساتها القديمة بتعامل ضباطها بعنف وفظاظة مع المصريين، وانشغالها بالأمن السياسى على حساب الأمن الاجتماعى والجنائى، كما تكشف مؤشرات هذه السوق أيضا عن تنامى الغضب الجماهيرى على حكومة الدكتور حازم الببلاوى بسبب تراخيها عن ضبط الأسعار، وترددها فى اتخاذ قرارات ترفع الأعباء المتزايدة عن كاهل ملايين الفقراء، وهو الأمر الذى يهدد بإشعال فوضى عارمة تنتظرها مافيا الإخوان بفارغ الصبر!
ومع خلو المسرح السياسى الآن من شخصيات تصلح لقيادة البلد، واحتراق كل الوجوه التى كانت تسعى للرئاسة لافتقادها لأى رؤية جادة ومخلصة لحل مشاكلنا المزمنة، فإن عودة السيسى السريعة أصبحت واجبة، ليس فقط بشخصه، ولكن ببرنامج سياسى ــ اجتماعى واضح ينحاز لملايين المطحونين فى مصر، ويقطع الطريق على اتجاه يلاحظه كثيرون بسعى البعض لعسكرة الحكم، أو إقامة دولة بوليسية تفضل الحلول الأمنية لمواجهة مشاكلها ومعارضيها، أو لتسليم مقاليد الأمور لقوى تعيد انتاج دولة مبارك مع بعض التحسينات!