فايزة أبوالنجا.. إرادة حديدية وخلق دمث
نبيل العربي
آخر تحديث:
الأربعاء 12 نوفمبر 2014 - 9:05 ص
بتوقيت القاهرة
أكتب هذه السطور لأعبر عن سعادتى الغامرة بقرار السيد رئيس الجمهورية بتعيين الوزيرة فايزة أبوالنجا مستشارة للأمن القومى.
وقد نص الدستور فى إطار المادة 205 على إنشاء مجلس للأمن القومى يختص بإقرار استراتيجيات تحقيق أمن البلاد، ومواجهة حالات الكوارث والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومى المصرى فى الداخل والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدى لها على المستويين الرسمى والشعبى.
وأعبر عن سعادتى بإنشاء هذا المنصب المهم الذى أثبتت التجارب المختلفة فى العالم أهميته فى صياغة القرارات صياغة رصينة، وهو منصب دعوت أكثر من مرة وعلى مدى سنوات، بضرورة إنشائه. فالدور التاريخى لمصر وإسهاماتها القيمة فى جميع المجالات الدولية يتطلب حتما أن تتخذ القرارات ذات العلاقة بالسياسة الخارجية والأمنية بأسلوب علمى عصرى بعد دراسة متأنية لأبعاده المختلفة تفاديا لأى عشوائية أو هوائية أو انفعالية فى صياغة القرارات المصيرية.
ما يدفعنى إلى كتابة هذا المقال هو تقديرى الكبير وإعجابى الشديد بفايزة أبوالنجا وتاريخها الناصع من واقع معرفتى الوثيقة بقدراتها وإخلاصها للوطن وتفانيها فى العمل، فهى مزيج نادر من الكفاءة المتميزة ودماثة الخلق وعمق التفكير والاستعداد التام لسبر غور المشكلات وإيجاد حلول لها.
•••
وأسمح لنفسى بتقديم عرض موجز لتاريخها الدبلوماسى الذى أعرفه وعايشته عن قرب. تعرفت على فايزة عندما انضمت إلى الوفد الدائم لمصر فى نيويورك عام 1979 وكان الراحل الدكتور عصمت عبدالمجيد مندوبا دائما وكنت مندوبا مناوبا. وبالرغم من صغر سنها ــ آنذاك ــ فإنها أظهرت كفاءة عالية مقرونة بإخلاص وتفانٍ تام للعمل.
ثم تزوجت من السفير المتميز هشام الزميتى، الذى عين عضوا فى الوفد الدائم فى جنيف، وصاحبته كزوجة فى مهمته، وتوافق ذلك مع فترة الإعداد لتحكيم طابا. ونظرا لأن إعداد الأسانيد والدفوع المطلوب تضمينها فى مذكرات الدفاع المصرية لتقديمها إلى هيئة التحكيم الدولية، كان يتطلب تغطية شاملة لفترة عصبة الأمم، فقد طلبت من فايزة تولى هذا الجانب المهم، وتمكنت بفضل دقتها ومثابرتها من موافاة الإدارة القانونية فى وزارة الخارجية المصرية بخرائط ووثائق دعمت وجهة نظر مصر. وقد التحقت فايزة فى هذه الفترة بمعهد الدراسات العليا فى جامعة جنيف للتخصص فى العلاقات الدولية.
وحينما انتخب الدكتور بطرس غالى سكرتيرا عاما للأمم المتحدة وقع اختياره على فايزة لتعمل كمستشار ومساعد خاص له. ويشاء القدر أن أكون حينها مندوبا دائما لمصر لدى الأمم المتحدة فى نيويورك عام 1991، فأتعرف على حسن أدائها لعملها مرة أخرى. وأود أن أسجل بكل أمانة ــ أنها كعادتها دائما ــ عملت بمنتهى الإخلاص والتفانى، قدمت آراء سديدة ونصائح مهمة للدكتور بطرس غالى على مدى خمس سنوات خلال فترة ولايته، ثم قررت الاعتذار لخلفه كوفى أنان عن الاستمرار فى ذات المنصب الهام والحساس. وأذكر أن كوفى أنان فى أول مقابلة معى غداة انتخابه سكرتيرا عاما طلب منى العمل على إقناعها على الاستمرار فى منصبها، موضحا ثقته فى قدراتها واحترامه لآرائها ونصائحها المخلصة للدكتور بطرس غالى، فوعدته بالمحاولة ولكنها اعتذرت بكل شمم، معربة عن رغبتها فى العودة إلى أرض الوطن بعد ابتعاد لمدة خمس سنوات للانخراط مرة أخرى فى كادر الدبلوماسية المصرية. وألمحت إلى أنها قد لا تتفق مع بعض توجهات السكرتير العام الجديد.
•••
وعند عودتها إلى كادر وزارة الخارجية عام 1997، برزت مرة أخرى مواهبها وقدراتها، فاختارها السيد عمرو موسى ــ وزير الخارجية وقتئذ ــ سفيرة ومندوبة دائمة لمصر لدى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى جنيف. ونظرا لأننى كنت أتردد كثيرا فى هذه الفترة على جنيف بوصفى عضوا فى لجنة القانون الدولى ومفوضا فى لجنة الأمم المتحدة للتعويضات فقد لمست مرة أخرى تفانيها فى العمل وإخلاصها فى حماية مصالح مصر ودول العالم الثالث فى منتديات ومؤتمرات الأمم المتحدة. وقد لقى هذا الإخلاص والتفانى مردودا جيدا فتم اختيارها عام 2001 وزيرة دولة للشئون الخارجية، ثم بعد فترة وجيزة وزيرة للتعاون الدولى. وقد لقيت قيادتها وإدارتها للعمل بهاتين الوزارتين تقديرا وإعجابا واسعين نظرا للمبادرات والإسهامات المهمة والأعمال الجليلة التى قدمتها خدمة للوطن.
•••
وخلال الشهور الأربعة التى كنت فيها وزيرا للخارجية إثر ثورة 25 يناير تزاملت مع فايزة فى مجلس الوزراء، وشاهدت بنفسى الدور المحورى الذى كانت تباشره فى مجلس الوزراء، واعتماد رؤساء الوزراء عليها فى أهم الموضوعات. كما كان تحليلها للأحداث وشجاعتها فى التعبير عن آرائها مثار أعجاب وتقدير من جميع الوزراء حتى إن صديقى المستشار محمد عبدالعزيز الجندى وزير العدل الأسبق، الذى تشرفت بالجلوس إلى جواره فى مجلس الوزراء أطلق عليها عن حق أنها «امرأة بمائة رجل».
وأثق تماما فى أن اختيار رئيس الجمهورية لها لتولى منصب مستشارة الأمن القومى يصب فى صالح الوطن. فذلك منصب يتطلب تنسيقا وتعاونا وثيقين مع مختلف جهات الدولة، وعلى وجه الخصوص مع وزارة الخارجية. وليس لدىّ شك فى أن هذا التنسيق والتعاون سوف يتم على الوجه المطلوب، وأنها ستقوم بمسئوليات هذا المنصب على أكمل وجه.