«الله أكبر»
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الأحد 12 نوفمبر 2017 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
قرأت مقالا بجريدة نيويورك تايمز لأحد كتاب الرأى ويدعى وجهات على بعنوان (أعيدوا لى «الله أكبر»)، يقول فيه: إنه ينتمى إلى قبيلة غريبة تسمى المسلمون ويزيد عدد أعضائها على المليار والنصف، وهم ينطقون بهذه العبارة فى صلواتهم الخمس كل يوم وليلة، كما أنهم يقولونها خارج الصلاة للتعبير عن الحمد والبهجة والامتنان..
ويضيف إنه شخصيا يقولها أكثر من مائة مرة فى اليوم.. ولكنه.. مثل الغالبية الساحقة من المسلمين فى العالم.. لا يقولونها مقترنة بأعمال العنف.. ولكن الإرهابيين من الدواعش والقاعدة يفعلون ذلك مما أعطى العبارة معنى أبعد ما يكون عما تمثله للغالبية العظمى من مسلمى العالم.
ويشير الكاتب إلى حادث الدهس الذى ارتكبه الأوزبكى سيف الله سايبوف يوم 31 أكتوبر بمدينة نيويورك وأطلق بعده صيحة «الله أكبر»، وهو حادث شديد الشبه بالحادث الذى وقع فى مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا عندما دهس أحد النازيين الجدد ويدعى جيمس ألكس فيلدرز جمعًا من الناس كانوا يقفون وقفة احتجاجية ضد دعاة العنصرية وسيادة الجنس الأبيض.
وقد اتخذ الرئيس ترامب موقفا حذرًا تجاه هذا الحادث ورفض وصفه بالإرهابى، ووجه اللوم إلى الجانبين.. أى جانب العنصريين وجانب المناهضين للعنصرية.. وقال إن الأمر سيتطلب بعض الوقت لمعرفة الحقائق.. ولكن ترامب لم يتخذ نفس الموقف المتحفظ الحذر تجاه الحادث الثانى.. أى حادث نيويورك.
بل إن الرئيس ترامب طالب باتباع أسلوب الجنرال بيرشينج فى التعامل مع المسلمين الإرهابيين وطالب بقتلهم برصاص مغموس بدم الخنازير.. والجنرال بيرشينج هذا هو الذى نجح فى إخضاع مسلمى الفلبين والسيطرة على جزيرتى مينداناو وسولو ذوات الغالبية المسلمة فى ذلك الوقت، وهو الأمر الذى فشلت فيه إسبانيا على مدار خمسمائة عام.. وقد اتبع بيرشينج أساليب بث الرعب من خلال ارتكاب الأعمال الوحشية ضد المسلمين الذين كانوا يدافعون عن بلادهم.
وتقول الروايات إن بيرشينج كان يدفن قتلاهم مع الخنازير.. وواحدة من هذه الروايات تشير إلى أن بيرشينج كان لديه 12 أسيرا من المسلمين.. فقام بقتل ستة أمام الستة الآخرين برصاص مغموس بدم الخنازير ثم تم تكفينهم فى جلد الخنازير ودفنهم مع أحشاء الخنازير.. ثم أطلق سراح الستة الأخرين لكى ينشروا الخبر المرعب.
والقصة تعود إلى أوائل القرن العشرين عندما قامت الولايات المتحدة بغزو جزر الفلبين سنة 1902 بعد أن دفعت لإسبانيا 20 مليون دولار مقابل تخليها عن الجزر، وقامت بإخضاع الشمال الكاثوليكى بسهولة بينما وجدت صعوبة فى إخضاع مسلمى الجنوب فلجأت لاستخدام أساليب عنيفة لإثارة الرعب لديهم، ولكن المؤرخين يجادلون فى موضوع قتل الأسرى ودفنهم فى أحشاء الخنازير، كما أن الجيش الأمريكى يتبرأ منها ويعتبرها إهانة للعسكرية الأمريكية.. فقتل الأسرى والتمثيل بالجثث تعد جريمة من جرائم الحرب.
***
ولكن بعد مضى قرن من الزمان وجدنا رئيسا لأمريكا يفخر بها ويطالب بتعميم استخدام مثل هذه الوسائل مع المسلمين الإرهابيين.. ثم إن ترامب لديه تعريف خاص به «للإرهاب».. فكل أعمال العنف التى يرتكبها المسلمون هى إرهاب.. فمقاومة شعب المورو ــ وهو الاسم الذى أطلقه الإسبان على مسلمى الفلبين ــ للغزو الأمريكى هو إرهاب، بالرغم من أنه لم يحدث أن ذهب أحد المورو إلى أمريكا لكى يقتل مدنيين.. بل العكس هو الذى حدث.
ولدى ترامب وصف آخر لأعمال الإرهاب التى يرتكبها شخص أبيض أو غير مسلم.. وهو الخلل العقلى.. ويبدو أن ترامب فى غاية الإعجاب بأساليب الجنرال بيرشينج.
فعلى إثر حادث الدهس الرهيب فى برشلونة طالب ترامب فى إحدى تغريداته: «كل من يسعى إلى القضاء على الإرهاب الإسلامى أن يدرس ما فعله الجنرال الأمريكى بيرشينج فى الفلبين».
على مدى الأيام التى تلت حادثة نيويورك.. كانت كلمة «الله أكبر» تملأ العناوين حتى أصبحت مرادفة لكلمة الإرهاب.. لقد أضيفت كلمة «الله أكبر» لكلمات: الجهاد والدولة الإسلامية.. والخلافة والسلف.. بل والإسلام فى حد ذاته.
منذ شهور قليلة قرأت مقالا عن شخص ألمانى اعتنق الإسلام.. وعندما سئل عن السبب.. قال: إن البداية كانت سماع الأذان ينبعث من أحد مساجد إسطنبول أثناء زيارته السياحية لتركيا.. فهل يا ترى ستظل كلمة «الله أكبر» التى تتردد فى الآذان إشراقاتها التى تنشرح لها الصدور.
***
لقد نجح الإعلام المعادى للإسلام فى تلويث قيم إسلامية كثيرة بأن جعلها تقترن فى أذهان الناس بالشر.. وللإعلام العالمى قدرات كبيرة على تحويل القيم الطيبة إلى قيم سيئة والعكس.. أذكر أن الرئيس الأمريكى نيكسون حاول فى بداية ولايته أن يقتحم مشكلة فلسطين بأساليب جديدة أكثر توازنا.. فأرسل مبعوثا لزيارة المنطقة وهو محافظ فيلادليفيا فى ذلك الوقت وكان يدعى سكرانتون وعاد سكرانتون من المنطقة ليطالب علنا بأن تتخذ الولايات المتحدة سياسة أكثر توازنا بين العرب وإسرائيل واستخدام عبارة Even Handed Policy وفورا تحركت آلة الإعلام الموالى لإسرائيل ضد سكرانتون وسياسته المتوازنة حتى محى الرجل وسياسته المقترحة من الوجود وحتى أصبحت كلمة Even Handed من الكلمات القبيحة التى لا يصح استخدامها من قبل الرجال المحترمين.. بل إن الرئيس نيكسون نفسه أخطأ مرة واستخدمها ثم سارع بالاعتذار قائلا: أعلم أنها أصبحت كلمة قذرة !!
وبالمثل لاقت قيم إسلامية كثيرة نفس المصير، فإصرار الإعلام العالمى على استخدام كلمة «الدولة الإسلامية» وعدم استخدام كلمة داعش.. يثير التساؤلات. فالإعلام الأمريكى على وجه الخصوص يزخر بالاختصارات.. ومن أشهرها الـ FBI CIA.. وشرطة نيويورك يشار إليها بحروف N.Y.P.D. وحتى الرئيس كيندى يشار إليه بــ J.F.K. وفرانكلين روزفلت F.D.R...وحتى ولى العهد السعودى يشار إليه اختصارا بالحروف، والأمثلة كثيرة لا نهاية لها.. ولكن الإعلام العالمى والأمريكى على وجه الخصوص اختار ألا يستخدم كلمة داعش.. لأن ذلك سيؤدى إلى أن تقترن الأفعال الإجرامية البشعة بمنظمة إرهابية تدعى داعش وتفوت الفرصة على اقترانها بالإسلام والمسلمين.
***
عندما تشكلت المقاومة الفلسطينية كان الإعلام العالمى لا يعترض على استخدام كلمة الفدائيين فهى كلمة غريبة على مسمع الجمهور الغربى ولا بأس من استخدامها.. ولكن عندما اعتمد الفلسطينيون لفظ المقاومة «Resistance».. هبت الآلة الإعلامية الصهيونية لمقاومة ذلك لأن «الريزيستانس» اقترنت فى الوجدان الغربى بأعمال البطولة فى مقاومة الاحتلال النازى.. وأيضا على إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى سارع الإعلام العالمى باستخدام كلمة «Intifada» باللغة العربية تجنبا لاستخدام الترجمة الإنجليزية لها «Uprising»، لأنها تستحضر فى الأذهان قيم إيجابية فى التصدى للعدوان مثل انتفاضة وارسو الشهيرة ضد النازية.
المؤسف فى الأمر أننا نرقص على طبول الإعلام الغربى، وتردد وسائل إعلامنا العربية.. حتى الدولية منها مثل العربية والجزيرة وسكاى نيوز.. إلخ، نفس العبارات المسكوكة فى أجهزة الذين يعلمون كيف يشكلون الرأى العام العالمى.
ولا أود أن أختم هذا المقال دون الإشارة إلى جانب آخر للموضوع على الصعيد الداخلى.. وهو نقمة مكبرات الصوت فى المساجد والزوايا فى الريف.. لقد فقد الريف المصرى أهم خصائصه الجميلة وهو الهدوء.. فبالرغم من وجود قرارات وقوانين تقصر استخدام المكبرات على الأذان، فإنه قد أصبح السائد الآن ــ على الأقل فى محافظة المنيا التى أنتمى إليها ــ هو فتح الميكروفون على إذاعة القرآن الكريم قبل الأذان بفترة طويلة.. ويحدث ذلك فى زوايا قريبة من بعضها البعض بحيث تتداخل الأصوات ويصبح من العسير تفسير ما يذاع.
إن الله سبحانه وتعالى يدعو المسلمين إلى أن ينصتوا إلى القرآن إذا قرئ.. فهل هذا هو الطريق للدعوة إلى الإنصات.. أم إلى النفور من الإنصات والعياذ بالله.. لقد تركت وزارة الأوقاف وترك المحافظون الحبل على الغارب لهؤلاء المنفرين.. فهل من سبيل إلى إنفاذ القانون والسيطرة على العشوائيات الصوتية التى تعد مخالفة لمقاصد الإسلام بل وللنصوص والأحكام.