الفقر يسقط سلطة الإخوان

سمير كرم
سمير كرم

آخر تحديث: الأربعاء 12 ديسمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

فيما عدا الثورة ضد الاحتلال الاجنبى فإن كل الثورات تتعلق بالفوارق الطبقية بين الاغنياء والفقراء.

 

كل ثورات التاريخ تؤكد هذه الحقيقة ابتداء من ثورة سبارتاكوس ــ ثورة العبيد فى روما القديمة ــ إلى الثورة الفرنسية والثورة البلشفية (الروسية، 1917) والثورة الصينية بعدها والمصرية (1952) والكوبية وثورات اوروبا الشرقية بعد انهيارالدولة السوفييتية. لا وجود لاى استثناء لهذه القاعدة، اما اذا ظهرت عوامل تخفى تحت سطحها حقيقة ان التمايز الطبقى هو الدافع إلى الثورة فلن تلبث الحقيقة ان تتضح.

 

ينطبق هذا بشكل خاص على ثورة مصر فى 25 يناير 2011 التى بدا عامل الحرية على السطح هو العامل الغالب، وان كان هو المدخل إلى التغيير. الشعارات الرئيسية التى حملتها الثورة لم تلبث ان أوضحت ان هدف تحقيق العدالة الاجتماعية هدف اساسى لا يمكن اغفاله. لكن هذا الهدف سريعا ما اختفى. تزامن اختفاؤه مع صعود تنظيم الاخوان المسلمين إلى نقطة الاستيلاء على الثورة وهو الذى لم يبد مشاركا فى بداية الثورة بسبب ارتباطه السياسى بنظام مبارك. ولو ان نظام مبارك استطاع بشكل ما ان يتلافى التفاوت الطبقى ــ حتى مع احتفاظه بقواعد الفساد المتحكمة ــ لامكنه ان يعيش وان يورّث.

 

من حيث التوقيت اتفق صعود دور الاخوان المسلمين إلى الهيمنة على الثورة مع اختفاء هدفها الاساسى وهو هدف القضاء على التفاوت الطبقى الفادح بين الاغنياء والفقراء. ولكن هذا الاختفاء كاد يزول مع تصاعد ما سمّى فى مصر بالهبّات الفئوية التى كانت تعبيرا واضحا وصريحا عن الثورة على التفاوت الطبقى والسعى نحو العدالة الاجتماعية. لكن لم يلبث صعود الاخوان نحو السلطة ــ فى ظروف لا تزال تحتاج إلى تفسير تقدّمه دراسة متأنية لما حدث ــ ان اسهم بدور كبير فى سيطرة اهداف سياسية على الثورة المصرية ليس بينها الحرية أو الديمقراطية. ولم تلبث سلطة الاخوان المسلمين ان كشفت عن انها لا تنوى اعطاء الاولوية، أو الاهتمام لهدف تضييق الفوارق الطبقية.

 

خلال شهور السيطرة الاخوانية على السلطة اتضح أن نظامهم حريص حرص نظام مبارك على الابقاء على غنى الاغنياء وخاصة رجال الاعمال وعلى فقر الفقراء وخاصة العمال فى ادنى مراتبهم الاقتصادية المتمثلة فى ضعف الاجور وما يتلوه من ظروف الحياة الفقيرة بصعوبتها ومشكلاتها بل ومآسيها. آثر الاخوان المسلمون كتنظيم تمكّن من ان يحكم بعد الاستيلاء على الثورة طمأنة الدولة الرأسمالية الاولى فى العالم إلى انهم لا يعتزمون باى حال اظهار اى قدر من التعاطف ــ حتى مع ابقاء النظام الرأسمالى مهيمنا على الاقتصاد والعباد ــ مع مطالب الطبقة التى يتألف منها محور الفقراء فى مصر. حاول الاخوان المسلمون جهدهم ان يظهروا للولايات المتحدة انهم لا يتعاطفون مع فقراء مصر لان ذلك يتطلب ولو قدرا من الابتعاد عن مصالح المستثمرين اجانب ومصريين.

 

وبطبيعة الحال فإن اظهار هذا التوجه للولايات المتحدة يتفق مع تطلعات الرأسمالية المصرية. وينطبق هذا بشكل خاص على اوضاع رجال الاعمال واصحاب الملايين الذين ينتمون إلى تنظيم الاخوان المسلمين ويكفى لطمأنتهم على مستقبل الاوضاع الاقتصادية فى مصر وملاءمة الاوضاع لطموحاتهم المالية والاقتصادية. وكان قد تحقق لهم ذلك فى سنوات حكم مبارك، الامر الذى اوصلهم إلى حالة وئام مع هذا النظام تخطت الحدود الاقتصادية إلى الحدود السياسية. وقد استمر هذا الوئام بين الاخوان المسلمين ونظام مبارك ــ بوجهيه الاقتصادى والسياسى ــ إلى وقت تفجر ثورة 25 يناير 2011. وينبغى التنبه هنا إلى ان هذا الوئام هو الذى آخر انضمام الاخوان المسلمين إلى هذه الثورة، وان كان تأخرا لم يدم سوى لايام الا انه لا يزال يباعد بين الثورة والاخوان على الرغم من ان الاخوان وقد صعدوا إلى السلطة يبدون حرصا شديدا على تكرار الادعاء بان ثورة 25 يناير هى ثورتهم بالدرجة الاولى.

 

والحقيقة ان عودة الثورة المصرية إلى اهدافها المتعلقة بإزالة الفقر هى الكفيلة بكشف حقيقة اغتراب الاخوان المسلمين عن الثورة التى يريدون من اجل السلطة اعتبارها ثورتهم. ان عودة الثورة إلى الشارع المصرى هى اهم وأظهر علامات اكتسابها من جديد دور الثورة الحقيقية، الثورة بمعناها ومفهومها التاريخى ثورة على الفروق الطبقية التى تنتج عنها الاوضاع المهينة والمحزنة التى يعيش فيها الفقراء.

 

قد لا تبدو هذه الحقيقة فوق السطح عندما نتأمل ما يجرى فى الشارع المصرى. فالمشهد لا يكشف ان الفقراء يقفون فى طرف والاغنياء فى الطرف الآخر. لكن الامر المؤكد ان الطرف الذى يمثل الثوار والحريص على استمرار الثورة وابعاد الاخوان المسلمين عن السلطة، وكما حدث فى كل ثورات التاريخ الكبرى، يعى جيدا ان حرصه على الثورة وعلى ابعاد المتطاولين عليها انما يهدف اساسا وبكل صدق إلى ازاحة وطأة الفقر عن كاهل المعذبين به. وهذا امر يتطلب صعود المعنيين بهذا الهدف إلى مركز السلطة حيث يمكنهم تنفيذ اهدافهم.

 

الثورة فى الشارع المصرى الان ليست خلافا سياسيا مع الاخوان المسلمين الا من حيث ضرورة ازاحتهم عن السلطة، انما هى فى الاساس خلاف اقتصادى على أهداف الثورة. وفيما عدا ذلك لا محل اطلاقا للدهشة ازاء الاداء البائس للاخوان المسلمين منذ استحواذهم على السلطة فى مصر، بشكل خاص اداؤهم البائس ازاء القضية الاقتصادية ــ الاجتماعية الاساسية، ذلك الاداء الذى انعدم فيه اى توجه نحو معالجة قضية الفقر. ولهذا كان الانتقاد المرير لاداء الاخوان المسلمين الذى شوهد يوجه الاهتمام إلى ما يجرى فى غزة فى وقت كانت اوضاع الفقراء فى مصر تطلق صراخا قويا نتيجة الاهمال الذى تلقاه من السلطة بعد الثورة.

 

عندما ينتصر المعارضون لدكتاتورية الرئيس محمد مرسى كما تمثلت فى الاعلان الدستورى وفى مسودة الدستور، وتمثلت بصورة اوضح فى تخيير المصريين بين هذا وذاك، فان هذا الانتصار لن يكون مجرد ازاحة للاخوان المسلمين عن السلطة انما سيكون وضعا لثورة 25 يناير مرة اخرى على طريق الثورة من اجل ازالة الفقر وعذاب الفقراء. ومن اجل كل ما يرتبط بهذا الهدف من سياسات داخلية وخارجية.

 

وعندما يجد الاخوان المسلمون انفسهم مضطرين للتراجع عن السلطة وعن اهدافهم من ورائها سيجدون ايضا انهم مضطرون لاعادة النظر فى سياساتهم وبرامجهم واهدافهم.

 

لكن هل يراجع الاخوان المسلمون انفسهم؟ تجربة الفترة الاخيرة تدل على إجابة بلا قاطعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved