تجريف النخبة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الخميس 12 ديسمبر 2013 - 7:50 ص
بتوقيت القاهرة
يقدم الواقع المصرى الراهن دليلا عمليا على واحدة من المقولات الشهيرة للعلوم السياسية بشأن النظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ، تجريف النخبة. والنخبة المعنية هنا هى نخبة العمل العام والحياة السياسية والمجتمع المدنى، والتجريف هو نتاج إما التحاق النخبة بركب الحكام أو تورطها فى تبرير وتمرير دساتيرها وقوانينها وممارساتها القمعية أو تفرغها لتشويه المعارضين ولاغتيالهم المعنوى وحصاد التجريف هو فقدان النخبة للمصداقية الأخلاقية والسياسية والشعبية واهتزاز القبول العام للمبادئ وللقيم التى تدعى الدفاع عنها.
اليوم فى مصر، التحق ويلتحق الكثير ممن ينظرون إلى أنفسهم «كقيادات مدنية» بالحكم وتحولوا إلى أتباع للمكون العسكرى الأمنى المهيمن على السياسة أو أداتيين يضطلعون بأدوار تنفيذية تعرف سياقاتها وتحدد مضامينها بعيدا عنهم. اليوم فى مصر، تورط ويتورط الكثير ممن ينظرون إلى أنفسهم «كرموز ليبرالية ويسارية وقومية وشبابية وديمقراطية»، فى تبرير انتهاكات حقوق الإنسان والانتقاص من الحريات والترويج لفاشية الإقصاء والعقاب الجماعى والإجراءات الاستثنائية والتخوين كأن هذه الدولة وهذا المجتمع كتبا بأسمائهم وأسماء المكون العسكرى الأمنى وحلفائه دون غيرهم وكأن للظلم ولغياب العدل أن يأتيا بالتقدم والاستقرار والعيش المشترك.
اليوم فى مصر، شارك ويشارك بعض من ينظرون إلى أنفسهم «كرموز ليبرالية ويسارية وقومية وشبابية وديمقراطية» فى استدعاء المؤسسة العسكرية إلى السياسة وفى تمرير نص دستورى يضعها كدولة فوق الدولة ولا يضمن البناء الديمقراطى ويواصل شرعنة محاكمة المدنيين عسكريا وفى تمرير قوانين قمعية ويدافعون عن كل هذا تحت يافطة «التوازنات» و«المواءمات» و«الواقعية» بل ويسعون أحيانا وبقبح شديد إلى مواصلة التبرير عبر ادعاء احتكار الحديث باسم الثورة. اليوم فى مصر، رجم ويرجم بعض الناشطين فى مجال حقوق الإنسان والحريات واختاروا تأييد ترتيبات ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣ ناشطين آخرين فقط لرفض الأخيرين المشاركة فى التأييد ولمعارضتهم للقمع ولهيمنة المكون العسكرى الأمنى التى أبدا لا تفتح أبواب الدول والمجتمعات لا للتقدم ولا للعدل ولا للبناء الديمقراطى.
اليوم فى مصر، ترتب الاختيارات والأفعال هذه تجريف قطاعات واسعة من نخبة العمل العام والحياة السياسية والمجتمع المدنى. فالمصداقية الأخلاقية والسياسية والشعبية، ومع انتباه الناس تدريجيا إلى إفك الفاشية والعقاب الجماعى والإجراءات الاستثنائية والتخوين والدلائل الأولية على استفاقتهم من غث المتورطين فى تشويه وعيهم، تراجعت بشدة إن لم تكن قد انهارت. والقبول العام للمبادئ والقيم (المدنية والديمقراطية والليبرالية والعدالة الاجتماعية) التى رفعوا يافطاتها زورا وتزييفا ومازالوا يتوارى، ويأتى إلى الواجهة المجتمعية الشك العام فى نخبة تنام فى حال وتستيقظ فى حال ولا ترتب تقلباتها فى جميع الأحوال خيرا ولا تخرجها أبدا من خانات الأتباع والأداتيين للمكون العسكرى الأمنى المهيمن.