التطورات الأخيرة فى المشهد الفلسطينى
رخا أحمد حسن
آخر تحديث:
السبت 12 ديسمبر 2020 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
طرأت عدة تطورات مهمة فى المشهد الفلسطينى العام خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الحالى، سواء على مستوى عملية السلام مع إسرائيل وطرح السلطة الفلسطينية خطة بديلة لصفقة القرن التى رفضتها منذ البداية، وما تم من خطوات على طريق إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية وما انتهت إليه هذه الخطوات أخيرا، والتغيير الذى حدث فى علاقات السلطة الفلسطينية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وما تتوقعه السلطة الفلسطينية من تعامل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن مع القضية الفلسطينية.
الخطة الفلسطينية البديلة
طالب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فى خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2020 أن يتولى الأمين العام للأمم المتحدة الدعوة إلى مؤتمر دولى فى بداية عام 2021 تحضره الرباعية الدولية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، وروسيا، والولايات المتحدة) ودول أخرى من أجل إطلاق آلية متعددة الأطراف لرعاية مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين على قاعدة الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة التى تنص على أن الأراضى الفلسطينية هى الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى 4 يونيو1967.
وكانت السلطة الفلسطينية قد أبلغت الرباعية الدولية فى أغسطس 2020 أنها مستعدة للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل برعاية الرباعية الدولية، واعتبار مبادرة السلام العربية مرجعية وكذلك القرارات الدولية، لهذه المفاوضات، وأوضحت السلطة الفلسطينية فى رسالتها عدة نقاط أهمها:
• قبول أن تكون الدولة الفلسطينية محدودة التسلح، ولها شرطة قوية لفرض احترام القانون والنظام.
• الاستعداد للقبول بوجود طرف ثالث مفوض من الأمم المتحدة، من أجل ضمان احترام اتفاق السلام فيما يتعلق بالأمن والحدود، وإشارة عامة إلى حلف شمال الأطلنطى (الناتو) لقيادة القوات الدولية.
• اقتراح تعديلات طفيفة على الحدود، على أن يتم إبرام اتفاق ثنائى بين الفلسطينيين وإسرائيل، على أساس حدود 4 يونيو 1967، وهو تاريخ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة.
ورفضت واشنطن التجاوب مع المقترحات الفلسطينية، أو حتى مع الرباعية الدولية التى حاولت مناقشة المقترحات الفلسطينية، وطلبت واشنطن من الفلسطينيين الحضور إلى طاولة المفاوضات أولا، ثم تقديم اقتراحهم بأى تعديلات على صفقة القرن، وليس أى خطة أخرى.
وقد تمسك الفلسطينيون بموقفهم وأوضحوا أن عقد مؤتمر دولى للسلام ووضع آليات لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال العسكرى الاستعمارى الاستيطانى الإسرائيلى لأراضى دولة فلسطين هو الحل لردع إدارة ترامب التى تعارض المؤتمر وتلوح بإيجاد حل وفقا لصفقة القرن التى تهدف إلى تكريس الاحتلال العسكرى الاستيطانى، وضم القدس، ومناطق شمال البحر الميت، وأراضى الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال.
وقد أيد غالبية أعضاء مجلس الأمن مقترحات السلطة الفلسطينية، ومن بين هؤلاء الأعضاء المؤيدين روسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، حيث يرون ضرورة حل القضية الفلسطينية وفقا للقانون الدولى والشرعية الدولية، وذلك وسط انتقادات أمريكية وإسرائيلية للموقف الفلسطينى.
وترى السلطة الفلسطينية أن رد الفعل الإيجابى على مقترحاتها بمثابة رد عملى على من يدعون بأن القيادة الفلسطينية لا تطرح بديلا عن صفقة القرن المرفوضة جملة وتفصيلا، وأن هذا التأييد الدولى يؤكد تمسك المجتمع الدولى بالقرارات الأممية والشرعية الدولية. وأن السلطة الفلسطينية ستطلق حركة نشطة من أجل تهيئة الرأى العام والمجتمع الدولى لأهمية وضرورة عقد المؤتمر الدولى للسلام فى بداية عام 2021.
المصالحة الوطنية الفلسطينية
اعتبر كل من فتح وحماس أن عملية التطبيع بين إسرائيل وبعض دول الخليج العربية، والسودان والتى قادتها ودفعتها بقوة إدارة الرئيس الأمريكى ترامب، بمثابة تطور بالغ الأهمية والخطورة بالنسبة للقضية الفلسطينية، وأنه من وجهة نظر السلطة الفلسطينية يخدم المصالح الاقتصادية والمالية والتجارية لإسرائيل، ويعد تطبيقا عمليا لصفقة القرن بعيدا عن تحقيق أى تقدم فى الحل السياسى للقضية الفلسطينية، وهو خروج واضح على المبادرة العربية التى مازالت الدول العربية تعتبرها مرجعيتها الأساسية لتحقيق حل الدولتين الذى يكاد يجمع عليه المجتمع الدولى.
ومن ثم تسارعت خطى تحقيق المصالحة الفلسطينية وعقدت عدة اجتماعات لقيادات كل من فتح وحماس فى عدة عواصم انتهت إلى القاهرة لوضع اللمسات الأخيرة لاتفاق المصالحة والتى فى مقدمتها إجراء انتخابات فلسطينية رئاسية، وبرلمانية، واستجاب المجلس الوطنى الفلسطينى خلال ستة أشهر من توقيع اتفاق المصالحة.
ولكن سرعان ما عادت الخلافات تطل برأسها وتفرض نفسها، فبينما ترى فتح أن تجرى الانتخابات على ثلاثة مراحل متتابعة أى إجراء الانتخابات الرئاسية، ثم بعدها البرلمانية، وتليها انتخابات المجلس الوطنى الفلسطينى، فإن حماس تتمسك بأن تجرى الانتخابات كلها مرة واحدة مراعاة لظروف وباء كورونا من ناحية، وتوفيرا للنفقات من ناحية أخرى. كما أن عددا من الفصائل الأخرى، التى لم تشارك فى اجتماعات المصالحة رأت أنه لم يؤخذ رأيها ولم توضع فى الاعتبار والتشاور معها قبل إعلان التوصل لأى اتفاق، وقد توقف الوضع على هذا الحال دون استكمال المصالحة.
إعادة التنسيق الأمنى والإدارى مع إسرائيل
كانت السلطة الفلسطينية قررت وقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل فى المجالين الأمنى والمدنى، والتعامل معها فى ذلك عن طريق طرف ثالث، كما أوقفت السلطة الفلسطينية تسلم أموال المقاصة ــ وهى العوائد الضريبية التى تحصلها سلطات الاحتلال الإسرائيلية نيابة عن السلطة الفلسطينية وذلك بسبب إعلان إسرائيل عن نيتها ضم أراضٍ فلسطينية محتلة فى غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات إلى إسرائيل، كما قررت إسرائيل خصم ما يعادل ما تصرفه السلطة الفلسطينية لأسر الشهداء والأسرى من مبالغ المقاصة الواجب توريدها للسلطة الفلسطينية.
وتمثل هذه الأموال الجزء الأكبر من ميزانية السلطة الفلسطينية التى اضطرت بعد وقف استلامها إلى الاستدانة من البنوك لدفع أجزاء من رواتب الموظفين وتأجيل سداد أجزاء منها إلى حين ميسرة.
وقد حدث تطور مفاجئ فى الأسبوع الثالث من نوفمبر 2020 أى بعد نحو ستة أشهر من وقف السلطة الفلسطينية التعامل مع إسرائيل، حيث قررت السلطة إعادة التعامل المدنى والأمنى مع إسرائيل، وقبول استلام أموال المقاصة مع تمسك السلطة بعدم خصم إسرائيل أية مبالغ منها، وهو ما وافقت عليه إسرائيل ولكن دون أن تلغى قرار خصم ما يعادل ما تصرفه السلطة الفلسطينية لأسر الشهداء والأسرى والذى تسميه إسرائيل «بدل قتل» وإنما أجلته إلى حين. وتسلمت السلطة الفلسطينية فى الثانى من ديسمبر 2020 مستحقات المقاصة وهى تعادل نحو مليار و141 مليون دولار أمريكى.
ويرى معظم المتابعين للشئون الفلسطينية أن قرار السلطة الفلسطينية بإعادة التعامل المباشر مع إسرائيل يرجع إلى عدة عوامل منها ما يواجهه الفلسطينيون من صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة ضاعفتها أزمة وباء كورونا والحاجة إلى التعاون مع إسرائيل لمواجهة هذا الوباء، وكذلك أنه فى حال تنفيذ ما اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية من إجراء انتخابات عامة فإن ذلك يقضى بالضرورة التنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية من حيث الترتيبات الإدارية والأمنية، وأيضا حين تأكد فوز المرشح الديمقراطى جو بايدن للرئاسة الأمريكية وما صدر عنه من تصريحات بأنه مع حل الدولتين بالنسبة للتسوية السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهو ما يعنى طى صفحة صفقة القرن التى أطلقها الرئيس ترامب، وهذا يتطلب أن تبدى السلطة الفلسطينية مرونة واستعدادا للعودة إلى المفاوضات سواء وفقا للمبادرة التى أعلنتها أو بضمانات بأن المفاوضات لن تعود إلى حلقة مفرغة كما كانت منذ اتفاق أوسلو 1993. وقد أوضح مسئول فلسطينى فى رام الله أن الرئيس محمود عباس لا يمانع فى أى لقاء محتمل مع أى رئيس وزراء إسرائيلى بما فى ذلك نتنياهو، إذا كان الأخير مستعدا لإطلاق مفاوضات سياسية مرجعيتها الشرعية الدولية، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967. ومن ناحية أخرى فقد أعادت السلطة الفلسطينية سفيريها اللذين سبق وسحبتهما من كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين على إثر توقيعهما اتفاقات تطبيع وعلاقات مع إسرائيل، وأن إعادة السفيرين يهدف إلى التخفيف من حالة التوتر فى العلاقات بين السلطة والإمارات والبحرين ورغبة فى أن يكون لهما إسهامات مع الدول العربية الأخرى فى مساندة السلطة الفلسطينية فى المرحلة القادمة.
وقال وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى أن لديهم بشكل غير مباشر اتصالات مع فريق بايدن، ولإعادة التعامل مرة أخرى مع الإدارة الأمريكية الجديدة بعد يناير 2020 وأنهم طلبوا إجراء مكالمة هاتفية مع بايدن، وهم فى انتظار تحديد موعدها، وأنهم متفائلون بشأن الإدارة الأمريكية الجديدة.
والحقيقة أن المشهد الفلسطينى يموج بالتطورات المتسارعة، وروح من التفاؤل رغم استمرار الخلافات بين الفصائل الفلسطينية من ناحية، ومضى إسرائيل فى خططها لتهويد الأراضى الفلسطينية وإقامة المزيد من المساكن فى المستوطنات فى الضفة الغربية. فهل تستطيع إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بعد توليها السلطة أن تحقق حل الدولتين؟ هذا ما سيتضح خلال الأشهر القادمة.
مساعد وزير الخارجية الأسبق