الربيع الطائفى

أحمد الصاوى
أحمد الصاوى

آخر تحديث: الأحد 13 يناير 2013 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

دخلت المنطقة زمن الفرز الطائفى منذ وقت بعيد، وبينما كانت البشارات بالديمقراطية تأتى من الداخل وسط ضيق بممارسات الأنظمة الحاكمة، كانت البشارات تأتى من الخارج أيضا وسط إلحاح على التغيير فى إطار منهج تبنته الإدارات الأمريكية عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر.

 

ظلت الأنظمة الاستبدادية العربية رغم قسوتها وعدائها للقوى الديمقراطية والأصولية فى مجتمعاتها، محافظة إلى حد كبير على وحدة الخريطة، وعلى خفوت أصوات النزعات الطائفية والعرقية، بقدر من الإكراه الواسع دون تبنى أى عملية سياسية واجتماعية لتحويل التنوع الطائفى أو العرقى إلى مزايا وطنية تصب فى صالح البلاد، لكن التعاطى مع هذه الملفات باتهامات التخوين والتسفيه، منح لها الزخم عند اندلاع الثورات، وحاول القائمون عليها ترجمة قهر السنين إلى مكاسب مباشرة ومغالية فى أهدافها إلى حدود الانفصال.

 

لكن الواضح فى هذا الوقت أن كل ذلك لا يزعج أحدا، خصوصا اللاعبين الأساسيين فى المنطقة، إدارات أمريكية مازالت تدير عملية التغيير فى المنطقة بتدخل مباشر كما فى العراق وليبيا، وباحتواء مباشر كما فى مصر، وقوى حاكمة صاعدة لا يزعجها «لبننة» المنطقة بأثرها، فتتورط فى خطابات الاستقطاب الدينى والعرقى، أو تتركه يتم برعايتها.

 

بشر الأمريكيون بالديمقراطية فى العراق، فإذا هم يستلهمون النموذج الطائفى اللبنانى لكن دون انضباط، وانتهى الأمر إلى عراق طائفى عرقى تتصارع قواه ولا تتعاون، وتتحين أطراف فيه الفرص للتنكيل بالأطراف الأخرى أو الخروج تماما من جغرافية الوطن إلى حلم الدولة المستقلة.

 

ومن داخل الثورات الشعبية فى مصر وتونس خرج الفرز الطائفى بصورة مقيتة، وارتفعت أصوات التكفير والتخوين بشكل قسم المجتمع ووضع الأقليات الطائفية فى موقف أكثر خطورة وتهديدا عن ما كان قبله فى عهود الاستبداد والقمع.

 

عندما انفصل جنوب السودان، بشر غلاة الأصوليين الحاكمين بزمن النقاء الإسلامى، اعتبروا أن الشمال استقل أخيرا عن الجنوب الصليبى الوثنى، وأن الفرصة جاءت لتطبيق الشريعة دون تنغيص من «الآخر».

 

ويبقى التقسيم الطائفى حاكما فى إدارة الصراع فى سورية، فذات النعرات الأصولية التى تزدرى الآخر قائمة، وذات الذكريات الثأرية بين الطوائف باقية، والأحلام القومية للأكراد التى فشلت الأنظمة فى إيران والعراق وسوريا وتركيا فى احتوائها فى إطار وطنى يحترم التنوع قائمة، ونصب عينها نموذج فى العراق يترسخ وينمو ويقوى وسط معادلات إقليمية ملتبسة.

 

ومن أشهر الأناشيد الرائجة لقطاع من المقاتلين ضد نظام بشار الأسد فى سوريا نشيد يقول: «العلوية فى التابوت.. والنصارى على بيروت»، هذه إذن ذهنية من يملك السلاح ويخوض المعارك، دعك من أحاديث السياسيين المغلفة بالتسامح، لكن الواقع أن الثورة السورية جرى أيضا سحبها إلى المنطقة الطائفية السوداء، بما يعقد أى تصورات عن سوريا ما بعد الأسد، وهل ستظل سوريا الموحدة أم المقسمة جغرافيا، أم المقسمة طائفيا وعرقيا على غرار النموذج اللبنانى أو العراقى.

 

تعتقد الولايات المتحدة أن تغيير خريطة المنطقة اعتمادا على الفرز الطائفى والعرقى، سيساعدها فى تحويل بوصلة الصراع الرئيسية فى المنطقة من العرب فى مواجهة إسرائيل، إلى السنة فى مواجهة الشيعة، وتجد من يقدم نفسه لهذه المعركة بخطاب يرفض الآخر تماما، ويطلب السلطة فى مقابل أن يكون رأس الحربة فى الصراع الجديد، هذه حسابات اللاعبين فيما الشعوب فى مقاعد المتفرجين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved