أيديولوجيا الضم.. من ترامب إلى سموتريتش!

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الإثنين 13 يناير 2025 - 6:45 م بتوقيت القاهرة

 نشر موقع 180 مقالا للكاتب حسين الديك، تناول فيه التحديات التى تحول دون تطبيق ترامب لتهديداته بضم كندا وجزيرة جرينلاند للولايات المتحدة، كما تطرق الكاتب لأوجه الاختلاف والتشابه الأيديولوجى بين ترامب واليمين الإسرائيلى المتطرف فى نظرته التوسعية... نعرض من المقال ما يلى:

تُمثّل تصريحات الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب حول إمكانية ضم كندا أو جزيرة جرينلاند إلى الولايات المتحدة الأمريكية نموذجًا للتصريحات الشعبوية التى تعكس شخصية ترامب النرجسية والجدلية.

تُعبّر تصريحات ترامب «الغوغائية» عن طموحات غير واقعية لرئيس أمريكى يفتقر إلى رؤية استراتيجية للدولة، مُفضلًا عليها إطلاق شعارات إعلامية تستهدف إثارة الجدل، فالولايات المتحدة دولة مؤسساتية يحكمها الدستور والقانون، ما يجعل من المستحيل تنفيذ هذه الأفكار التى يطرحها ترامب، إلا إذا كانت نظرة متطرفة من هذا النوع تُعبّر عن نزعة مجتمعية متطرفة بدأت تتسلل إلى روح كل المؤسسات الأمريكية.

وتُمثّل أية محاولة لضم كندا أو جرينلاند بالقوة العسكرية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى واعتداءً على سيادة دول أعضاء فى الأمم المتحدة؛ ومن يتأمل بالنظام السياسى الأمريكى يُدرك أنه لا يخضع لرغبات رئيس شعبوى، إذ ترتكز السياسات الكبرى، وبخاصة المتعلقة بالحرب والسلم، على موافقة الكونجرس والمؤسسات الأمريكية الأخرى، وليس على قرارات فردية، فعندما يتولى ترامب أو غيره منصب الرئاسة، سيصطدم بالمنظومة القانونية والمؤسساتية التى تضع حدودًا واضحة لأى طموحات غير واقعية.

 زدْ على ذلك أنّ كلاً من كندا والدنمارك التى تتبع لها جزيرة جرينلاند، هما عضوان فى حلف شمال الأطلسى (الناتو)، وهو تحالف عسكرى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية بهدف حماية الأمن العالمى المشترك، وبالتالى أى محاولة للاعتداء على سيادة هاتين الدولتين ستؤدى إلى تدمير النظام الدولى القائم منذ حوالى سبعة عقود وانهيار الناتو برمته وتفكك العلاقات بين ضفتى الأطلسى، فتصريحات ترامب تتناقض مع المبادئ الأساسية التى تأسّست عليها الأمم المتحدة، وأبرزها احترام سيادة الدول الأعضاء والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

لم تقتصر الردود على تصريحات ترامب الشعبوية والنرجسية على الدول المستهدفة مثل كندا والدنمارك وبنما، بل امتدت إلى بقية الدول الأوروبية والغربية التى ترى فى مثل هذه التصريحات تهديدًا للنظام الدولى برمته. والملاحظ أن هذا الجدل لم يصل بعد إلى المؤسسات الرسمية الأمريكية أو النخب السياسية، بل بقى محصورًا ضمن حدود تصريحات ترامب الشخصية، ما يعكس طبيعته الشعبوية ونزوعه إلى إطلاق شعارات تستهدف استثارة الجدل.

وسوف يواجه ترامب عقبات داخلية كبيرة، بما فى ذلك الخلافات داخل الحزب الجمهورى نفسه، حيث لا يتفق جميع الأعضاء الجمهوريين مع طروحاته المثيرة للجدل، كما أن ترامب لن يحظى بدعم كامل داخل الكونجرس، برغم سيطرة الحزب الجمهورى عليه.

صحيح أن ثمة تشابها أيديولوجيا يصل إلى حد التماهى بين ترامب واليمين الإسرائيلى ونظرته التوسعية (على صورة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير)، ولكن هناك اختلافات جوهرية فى الواقع السياسى لكل منهما؛ ففى إسرائيل، تنبع سياسات الضم من منطلقات عقائدية ودينية، وتحظى بدعم المؤسسات السياسية والعسكرية مثل الكنيست والجيش، أما فى الولايات المتحدة، فإن أفكار ترامب التوسعية لا تنبع من أيديولوجيا محددة، بل من طموحات شخصية اقتصادية ومصلحية.

كما أن إسرائيل تعتمد على «سلطة الأمر الواقع» فى تطبيق سياسات الضم، بينما تفتقر الولايات المتحدة إلى أى سياق مؤسساتى أو دولى يمكن أن يدعم مثل هذه التوجهات.

ومن المحتمل أن تؤدى تصريحات ترامب إلى تعميق الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وبخاصة فى ظل تعقيد العلاقات بين ضفتى الأطلسى. وهذه التصريحات تُفاقم حالة التخبط فى السياسة الخارجية الأمريكية، وتُضعف التحالف الغربى التقليدى. كما تُعطى الانطباع بأن الولايات المتحدة فى عهد ترامب مستعدة لتجاوز القوانين الدولية لتحقيق أهدافها، ما يُضعف مصداقيتها عالميًا.

يُمكن القول إن ضم كندا أو جرينلاند ليس مجرد صفقة عقارية أو مشروع استثمارى، بل هو مسألة سيادة وطنية للشعوب المستهدفة، وحقها فى تقرير مصيرها، ولا يمكن تجاوز القانون الدولى أو المبادئ التى تأسست عليها المنظمات الدولية، بما فى ذلك الأمم المتحدة، فتصريحات ترامب تعكس فهمًا محدودًا لهذه المبادئ، وتفتقر إلى أى أسس واقعية سياسية أو قانونية.

فى الخلاصة؛ النظام السياسى الأمريكى، القائم على مؤسسات قوية ودولة عميقة، لن يسمح بخروج هذه التصريحات عن نطاق الإعلام. كما أن المجتمع الدولى، بما فى ذلك حلفاء الولايات المتحدة، لن يتسامح مع أى محاولة للاعتداء على سيادة دول أعضاء فى الأمم المتحدة. ما يفعله ترامب هو نوعٌ من محاولة توظيف هذه التصريحات فى خدمة طموحاته الشخصية، لكنها تفتقر لأى أرضية واقعية أو سياسية لوضعها موضع التنفيذ.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved