غيبوبة «الذي لا يحب عبد الناصر»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 13 يناير 2025 - 6:40 م بتوقيت القاهرة

 اختلف البعض على جمال عبد الناصر، واتفق البعض الآخر مع سياساته، وانطلاقا من الاختلاف والاتفاق حول شخص الزعيم الراحل، يفتتح الكاتب العمانى سليمان المعمرى روايته «الذى لا يحب جمال عبد الناصر» الصادرة عن "دار الشروق" مادًا بصره على إطلالة بانورامية لأحداث الربيع العربى، جامعا فى صالة تحرير جريدة «المساء» العمانية أو ميدان التحرير، كما أسماها العمانيون، تيمنا بثورة 25 يناير، حشدا من الشخوص التى تشكل وطنا عربيا مصغرا يجمع بكل تناقضاته «الشامى والمغربى».

يدخلنا الكاتب والإعلامى سليمان المعمرى إلى تفاصيل روايته الصادرة عن «دار الشروق» أخيرا، ذات صباح عادى من صباحات عشرات السنوات التى «قضاها هذا الرجل فى ضريحه بمسجده فى كوبرى القبة انتظارا ليوم القيامة»، يقف «كثيرون خارج الضريح يتحدثون عن هذا الرجل بعضهم يحبه إلى درجة التقديس ويقولون إن قبره روضة من رياض الجنة، والبعض الآخر يبغضونه أشد البغض ويشيعون أن قبره حفرة من حفر النار».

فى هذه الأجواء يستيقظ عبد الناصر فى قبره، ويطلب من حارسه أن يعود إلى مصر التى سمع أن ثورة عظيمة أخرى اندلعت بها، وبعد جدل وشد وجذب فى عالم البرزخ حول القوانين التى تسمح للموتى بلقاء الأحياء، يوافق الحارس على زيارة ناصر لأحد أعدائه.. محمد بسيونى سلطان المصحح اللغوى ابن المنوفية الذى يعمل فى سلطنة عمان، وهو الرجل الذى يكن لقائد ثورة يوليو «كراهية غير مسبوقة لأحد» تجعله يتحاشى ذكر اسمه، ويكتفى بالإشارة إليه بوصفه «اللى ما يتسماش»!

 «خرج عبد الناصر من قبره نافضا التراب عن جسده»  متجها إلى مطار القاهرة الدولى، قاصدا العاصمة العمانية، مسقط، ليلتقى الميت بالحى فى زيارة غرائبية، أدخلت بسيونى سلطان، من هول المفاجأة، فى غيبوبة أرقدته فى المستشفى لأشهر، غير مدرك لمن حوله من المحبين والأصدقاء، وحتى من دخل معهم فى مشاحنات وشجارات يومية لمجرد ذكرهم اسم جمال عبد الناصر على مسامعه.

يستدعى المعمرى روح جمال عبد الناصر، ليجول بنا على أحداث ووقائع مرت بعالمنا العربى، يقوده شغف البحث عن الحرية والديمقراطية، حالما بوطن يسقط المذهبية، ويكافح التعصب والعنصرية، ناثرا شذى المحبة والتسامح، فقد خلق الله آدم من تراب، لا فضل لعربى وأعجمى إلا بحسن الخلق، ولا فرق بين إباضى وشيعى وسنى إلا بالتقوى.

 وبلغة ساخرة تدمج الواقع بالخيال ينسج المعمرى سطور عمل يكشف عن مدى عمق رؤية كاتبه لواقعنا العربى، متشربا روحا مصرية خالصة حينا، وأرواحا عمانية وسودانية وتونسية أحيانا أخرى، تتداخل الأصوات وتتباعد بخليط من اللهجات، غير أن خيوط اللعبة بيد ماهرة تتمثل كل شخوص الرواية التى تدور فى فلك «الذى لا يحب جمال عبد الناصر» لإصداره قوانين حرمت عائلته الإقطاعية بعض أفدنة كانت تمتلكها فى قرية  كمشيش.

 يستفز الصحفى العمانى سالم الخنصورى زميله بسيونى سلطان، قبل غيبوبته، فيضع على طاولة قسم التصحيح صفحة «حدث فى مثل هذا اليوم» التى تشير إلى  يوم الخامس عشر من يناير.. يوم ميلاد جمال عبد الناصر عام 1918، فارتجف من صوت ودعا إلى التصويت  لـ«محمد مرسى»  تقوده نيران حقد قديم على زعيم ثورة يوليو، فيكيل لزميله العمانى سيلا من شتائم  تنم عن رجل متعصب لا يعرف التسامح طريقا إلى قلبه.

لا يغرنك العنوان الخادع، الذى اختاره المعمرى لروايته، فهو يطوف على واقع معيش، ويقلب صفحات تاريخ فات تسجل سطورها «غيبوبة» الكارهين لجمال عبد الناصر الذى «يعيش حتى فى موته» كما قال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى فى رثائه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved