انتخابات الصحفيين.. انسف نقابتك القديمة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 13 فبراير 2017 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
مع تفاقم أزمات الصحافة والصحفيين المالية والمهنية، لم يعد من الممكن استمرار نفس القواعد البالية فى انتخابات النقابة المقرر إجراؤها الشهر المقبل، على منصب النقيب و6 من أعضاء المجلس، وإلا فإن أحوال المهنة كلها سوف تشهد المزيد من التدهور، بإغلاق العديد من الصحف وتشريد آلاف من الصحفيين، الذين يضطرون ــ وخاصة الشباب منهم ــ للعمل فى أكثر من صحيفة أو موقع إلكترونى، لكى يوفروا الحد الأدنى من نفقات معيشتهم، دون أن يجدوا الوقت الكافى لتطوير أنفسهم ومهنتهم.
فى كل انتخابات للصحفيين، يتمخض الجبل فيولد فأرا، تدور معارك وهمية بين مرشح للحكومة وآخر للمعارضة، لاستجداء الدولة لتقديم عشرات الجنيهات ثم صارت مئات الجنيهات، لدعم الصحفيين تحت مسمى كاذب وهو «بدل التكنولوجيا»، المخصص ــ نظريا ــ لكى يطور الصحفيين من مهاراتهم المهنية، والكل يكذب على نفسه لأنه فى الحقيقة «بدل للبقاء على قيد الحياة»، ينتظره الصحفيون فى طلعة كل شهر لتوفير بعض نفقات أسرهم الأساسية، حيث يتقاضى آلاف الصحفيين فى الصحف الحزبية والخاصة والمواقع الإلكترونية مرتبات تعود للعصر الحجرى لا التكنولوجى، لا تتعدى عدة مئات من الجنيهات، وعندما يحالون للمعاش بعد 30 عاما من المشاق التى لا تخطر على قلب بشر، يتقاضون ألف جنيه بالتمام والكمال، وتحرمهم النقابة من مكافأة نهاية الخدمة، فى حين يتقاضاها زملاؤهم فى الصحف القومية مع الأرباح السنوية، على الرغم من الخسائر الفادحة التى تحققها مؤسساتهم!
نفس الوجوه المحروقة تخوض هذه الانتخابات كل مرة، صحيح بشخصيات مختلفة، ولكنهم جميعا يلعبونها بنفس العقلية القديمة، شراء أصوات الصحفيين بزيادة البدل، ومشروعات متعثرة للإسكان وغيرها من الخدمات الخائبة، أو بمواقف عنترية ضد السلطة، خاوية من أى مضمون ثورى، يعيد للصحفيين حقوقهم الضائعة، أو يدفع باتجاه رفع من سقف الحريات فى المجتمع، أو حتى يحقق المساواة بين الصحفيين!
فى الانتخابات القادمة، يستطيع الصحفيون أن يهدموا هذا المعبد الانتخابى القديم، وأن يتخلصوا من كهنته الفاسدين، وأن يبنوا نقابة قوية تستند إلى المتغيرات التى شهدها الواقع الصحفى بعد ثورة يناير، فلأول مرة منذ نشأة نقابة الصحفيين أصبح أكثر من 52% من أعضائها ينتمون إلى الصحف الحزبية والخاصة، يخضعون لعلاقات عمل مجحفة، وتواجه صحفهم مصاعب مالية متفاقمة تهددها بالإغلاق أو تقليل المرتبات وعدم دفعها بانتظام، خاصة بعد انهيار الجنيه وارتفاع أسعار الورق والأحبار والطباعة.
على عاتق هؤلاء الصحفيين تقع مسئولية نسف العقلية النقابية القديمة، وبناء نقابة جديدة بفلسفة مغايرة، تحقق العدالة بين كل الصحفيين، لا تفرق بين صحيفة قومية أو حزبية أو خاصة، خاصة أن أصوات هؤلاء الصحفيين تستطيع أن تحسم نتائج الإنتخابات القادمة.
الصحفيون الآن فى حاجة إلى قيادات نقابية جديدة تنتمى إلى قيم العيش والحرية والعدالة التى رفعتها ثورة يناير، تفرض على المرشحين الذين ينتمون إليها أن يتوحدوا خلف برنامج انتخابى واحد يحقق هذه الأهداف، وأن يقدموا نموذجا جديدا للعمل النقابى، يستهدف توفير أجورا ومعاشات عادلة للصحفيين، ومتابعة أوضاع الصحفيين غير المعينين، وتفعيل القوانين التى تضمن تعيينهم بعد فترة التدريب لضمهم للنقابة.
وفى المقابل، يستطيع أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين الذين تجاوز عددهم 11 ألف عضو أكثر من نصفهم شباب، أن يجعلوا من الانتخابات القادمة نقطة فاصلة فى تاريخ النقابة، وأن يرفضوا أنصاف الحلول، أو الحلول الوهمية لأزماتهم الطاحنة، خاصة أن معظمهم احترف المهنة بعد ثورة يناير التى شاركوا فيها.
انتصار الجماعة الصحفية لقيم العدل والحرية فى الانتخابات القادمة، ليس فقط الأمل الأخير لإنقاذ المهنة من خطر الإنهيار الذى تلوح عواصفه فى الأفق، ولكنه أيضا يقدم نموذجا يمكن أن يحتذى فى العديد من النقابات بل والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى.