عمل من أجل الماء فى القاهرة

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: السبت 13 فبراير 2021 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

تخيل أن الزوار وطلبة وطالبات المدارس والجامعات الذين يزورون حصن بابليون أصبح بمقدورهم من خلال جهاز الهاتف الذكى الذى يحملونه فى أيديهم رؤية هذا المكان التاريخى وهو على شاطئ النيل كما كان من مئات السنين. كان هذا التخيل هو ما حوله أحد طلبتى مستخدما معرفته بكيفية التعامل مع تقنية الواقع المعزز لتطبيق رقمى (ما يزال فى صورته الأولية). والهدف كان أن تضيف تلك الرؤية التى تستخدم تلك التقنية معلومات ومعارف هامة عن المكان وكيف ارتبط بالنيل. تخيل أن ذلك أصبح ممكنا أيضا فى زيارة مسجد سنان ببولاق والذى كان يواجه النيل مباشرة كما سجلته ريشة فنانى الحملة الفرنسية. ثم أطلق لخيالك العنان لتتصور هذا ممكنا أيضا فى العديد من المواقع الأثرية الأخرى فى القاهرة. ألن يضيف ذلك خبرة متفردة لهؤلاء الزوار ويريهم كيف أن تلك الأماكن ربما ما كانت لتوجد لولا ارتباطها بالنيل.
تخيل أيضا أنكَ/كِ تسير/ين بجوار النيل وكل بضع دقائق تكون/ين فى مكان يخفف من ضوضاء الشارع وينقل لك بصورة مكبرة صوت حركة مياه النيل وحفيف أوراق الشجر الموجود وربما أصوات بعض الطيور التى قد يتصادف وجودها ألن تشعر/ين آنذاك باستعادة النيل ليس فقط كصورة توضع فى برواز ولكن كصوت وروائح للحياة وللطبيعة الطازجة.
يمكن أيضا أن تتخيل أن بعض المساكن المبنية فى موقع بركة الفيل والتى تشغل الآن جزءا من منطقة الحلمية الجديدة قد تحولت الأدوار الأولى فيها إلى جزء من عمل فنى يغلب عليه اللون الأزرق ويعبر عن الماء وحركته. ألن يذكر ذلك ببركة الفيل التى كانت واحدة من العديد من البرك والقنوات المائية فى القاهرة حتى وقت ليس بالبعيد. ألن يكون ذلك جميلا لتلك المساكن وليس فقط لساكنيها بل لمن يزورها.
تخيل أيضا لو أنه فى إطار تطوير حديقة الحيوانات ربما كحديقة نباتية أساسا تم تنفيذ أحد الأعمال الفنية الذى يتتبع مسار شاطئ النيل الذى كان ينتهى هناك منذ مئات، ليست بعيدة من، السنين وأن هذا العمل كما اقترحته مجموعة من طلبتى تم تنفيذه من نبات الغاب أو البوص الذى ينمو طبيعيا على شاطئ النيل ويتضمن العمل أماكن للجلوس وأماكن مظللة. ألن يكون ذلك إضافة ذات قيمة ومعنى لتلك الحديقة التاريخية؟
وحتى لو كنت تعيش فى أطراف المدينة فى تلك المناطق التى كانت حتى وقت قريب مزارع شاسعة وتحولت إلى مبان متكدسة تتلاصق بصورة غير ودية، وتفاجأ بأن الشارع العريض الذى أقيم بعد ردم الترعة الرئيسية التى كانت تروى المكان جالبة له المياه من نهر النيل البعيد، وإذا بخندق ليس عميقا حفر بموازاة الشارع وبه من المزروعات القصيرة التى ما إن يسقط المطر فى الشتاء حتى يتسلل إلى ذلك الخندق حيث يتجمع الماء ويحمى الشارع من الغرق ويسمح له بالاستمرار كمكان يستطيع البشر والمركبات عبوره. تخزن حدائق الأمطار كما يطلق عليها المياه وربما توزعها للحديقة العامة القريبة لكى ترويها أو تترك المياه تنفذ للخزان الجوفى بعد تنقيتها من الملوثات بفعل جذور النباتات ومكونات التربة فى تلك الأيام. ستذكر هذه الحديقة الطولية الصغيرة المارة والساكنين بالترعة التى كانت موجودة كما أنها ستساهم فى التعامل مع مشكلات تراكم وسوء جمع وتصريف مياه الأمطار.
***
هذه التخيلات السابقة هى بعض من تخيلات كثيرة تم تحويل بعضها لمسودة أولى نتجت خلال محاولاتنا الإجابة عن سؤال؛ ماذا نتعلم من ارتباط مدينة القاهرة بالنيل بدءا من منف وحتى الآن؟ وهل يمكن لما تعلمناه أن يلهمنا فى التعامل الجدى مع تحدى الماء الوجودى الذى يواجهنا الآن وفى المستقبل؟. وهى تجربة تضع نفسها فى سياق التدخلات العديدة التى تمت على النيل مثل بناء القناطر والسدود وتأثيرها على منظومة الماء والحياة فى النهر وأيضا البناء المكثف للنوادى وغيرها على شاطئ النيل. كما تضع نفسها أيضا فى سياق محاولات تمت فى السنين الأخيرة تركز أساسا على تنظيف النيل وتقليل الملوثات به كما تضع نفسها أيضا فى سياق عالمى أوسع يهتم باستعادة البيئة الطبيعية للأنهار حتى يمكن تحسين نوعية المياه العذبة وإصلاح علاقتها بمنظومة المياه والحياة على الأرض.
***
طلبت من طالباتى وطلبتى أن يختاروا مكانا يمثل أهمية معينة وأن يدرسوا الخرائط الخاصة به الآن وعبر التاريخ. وأن يقوموا بالبحث عن المعلومات المتعلقة بالمكان ثم يقوموا بزيارة المكان ورسمه «كروكى» وأيضا تصويره من عدة زوايا واضعين فى الاعتبار الوقت والظلال ثم من خلال إحدى تلك الصور ت/يقوم بتعديل عليها بأى تقنية متاحة بحيث يمكن من خلالها تخيل ما يمكن عمله.
تتطلب تلك التخيلات المقترح ولا شك المزيد من التطوير، لكنها يمكن أن تشكل معا نقاطا متجسدة فى خريطة عن الماء فى القاهرة يشارك فى عملها وبنائها سكان المدينة وأيضا توفر لهم فرصة لفهم أهمية وضرورة الماء فى حياتنا اليومية وحياة مدينتنا وربما يكون ذلك مناسبا أيضا لكى يكون أحد الخطوات الموازية التى تستهدف تحقيق خطط التنمية المستدامة لمصر وخاصة المتعلقة بالماء والتى تعمل على إشراك المجتمع بصورة أفضل وربما أيضا تسفيد منه وزارة الآثار ووزارة التعليم ولا أشك انه سيكون مفيدا لخطط وزارة البيئة. وربما أكثر للجهة التى تتولى إدارة موارد مصر المائية وتهتم بالبحث فى جوانبها المختلفة لأن التعامل الخلاق مع ذلك التحدى ينبغى له أيضا أن يشمل الجوانب الإبداعية.
***
الأهداف والطموحات التى وضعناها لهذا العمل تتضمن أن يكون قادرا على أن يشعرنا بقيمة الماء أو أن يعيد لوعينا إيقاعات الماء فى النهر كما أنه يمكن أن يحول ذاكرتنا النيلية لعمل تفاعلى يستطيع أن ينبهنا لما فقدناه ويحفزنا لعمل الكثير لكى نسهم فى استعادة النيل لحيويته وطبيعته التى هى حياتنا وطبيعتنا أيضا وربما يضعنا ذلك على طريق جماعى للتفكير فى مستقبلنا المشترك مع الماء.

أستاذ العمارة بجامعة القاهرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved