نداء عاجل.. أزفت الآزفة
عبدالمنعم المشاط
آخر تحديث:
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
إذا قام نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بالغزو البرى لمدينة رفح واستكمال التطهير العرقى للفلسطينيين والفلسطينيات وتهجيرهم قسريا خارج وطنهم وهو ما يمهد الطريق لتكراره فى الضفة الغربية، فإن ذلك لا يعد اعتداء على الشعب الفلسطينى وحده ولكنه كذلك اعتداء آثم على الدول والشعوب العربية مجتمعة، إن نتنياهو وحكومته المتطرفة يوظفون الخزعبلات الدينية فى تلك الحرب الدموية رغبة فى تعبئة الإسرائيليين والكنائس الإنجليكية خلف مشروع الإبادة الجماعية والتطهير العرقى للشعب الفلسطينى. وإسرائيل، وهى تنفذ ذلك، ليست وحدها ولكن الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا خصوصا بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يساندونها بلا حدود أو قيود ــ عسكريا وماليا وإعلاميا ــ وباستخدام نفوذهم فى النظام الدولى ومنظماته الدولية.
إن التطهير العرقى والإبادة الجماعية التى تنوى إسرائيل الاستمرار فى تنفيذها فى جنوب غزة وبالذات فى رفح ضد الفلسطينيين المدنيين الأبرياء من رجال ونساء وأطفال سوف تؤدى بلا شك إلى تصعيد لا تحمد عقباه، وهو أقرب إلى قيام القيامة، والتى لا تبقى ولا تذر، فالإسرائيليون لا يلعبون فقط لعبة صفرية مع الفلسطينيين والعرب، ولكنهم يدعون بإشعال الآرماجدون، أى الحرب النهائية بين الخير متمثلا فيهم والشر متمثلا فى الفلسطينيين والعرب، وبانتصارهم، نظرا للحشد الدولى الأوروبى والأمريكى إلى جانبهم، وسوف تصير كل فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة فى بيت لحم تحت سيادتهم، يقطنها اليهود وحدهم فى دولة يهودية خالصة تخلصت تماما من الأغيار. فما هو الأساس الذى بنيت عليه تلك المعتقدات الشاذة، وهذه الشعوذة السياسية؟.
هناك كذبتان مهدتا لهذا السلوك العنصرى؛ الأولى ما يطلق عليه: القومية اليهودية، والثانية: المتعلقة بشعب الله المختار والأرض الموعودة. وبالنسبة للقومية اليهودية، فإنها تعبير عن مفهوم فكرى وسياسى خاطئ علميا وتاريخيا، فحينما ظهرت الدولة القومية بناء على معاهدة وستفاليا 1648 كانت بداية الانفصال عن الكنيسة وبناء الدولة القومية العلمانية أى إن الفكر القومى مستقل عن الدين، ولا يمكن أن تكون هناك قومية دينية، واستمر هذا الفصل حتى اليوم.
القومية تعنى أن الشعب الذى يعيش على أرضه يخضع لقانون واحد يؤكد على المساواة بين الجميع بصرف النظر عن المعتقد الدينى أو الأصل العرقى أو الانتماء الجغرافى، وأن القومية غير دينية وإلا صار هناك تمييز دينى يجب مفهوم القومية.
حينما نمت الفكرة القومية العربية قبل الحرب العالمية الأولى ضمت آليا ودون تمييز جميع العرب دون النظر إلى الديانة أو الأصل أو الإقليم أو الطبقة، وتبنت مصر الفكرة القومية بذات المعنى، لكن أكذوبة القومية اليهودية تعنى اليهود فقط دون أصحاب الديانات الأخرى، وترتيبا على ذلك ينظر الإسرائيليون إلى العرب جميعا نظرة دونية لأنهم يشكلون مفهوم الأغيار الذين ينبغى الخلاص منهم أطفالا كانوا أم شيوخا ورجالا كانوا أم نساء.
وتشير الكذبة الثانية إلى أن فلسطين هى أرض الميعاد، وأن اليهود هم شعب الله المختار، وأن نبينا عيسى صلاة الله وسلامه عليه سيعود إلى أرض «إسرائيل»، من ثم ينبغى أن تتضافر جهود وموارد المسيحيين الإنجليكيين مع إسرائيل من أجل إعداد هذه الأرض لعودة المسيح.
هذا الفكر المسيحى الصهيونى بشقيه، القومية اليهودية والأرض الموعودة، دعمت الوجود الإسرائيلى فى المنطقة بصورة مطلقة، وصار أمن إسرائيل أهم بكثير من أمن وسلامة دول كبرى فى أوروبا، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وتحولت المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلى إرهابا، بينما الإبادة الإسرائيلية الجماعية للفلسطينيين والفلسطينيات دفاعا عن النفس.
• • •
هكذا وظفت الصهيونية العالمية هاتين الأكذوبتين لإقامة إسرائيل والدفاع عنها.وفى سبيل ذلك، لا مانع من تجزئة الوطن العربى وإضعافه استراتيجيا، وتضخيم الخلافات السياسية إلى عداءات وتحويلها إلى صراعات وحروب، وخلق حالة من الاعتماد على الغرب، والحد من الاعتماد المتبادل بين الدول العربية، هذا فى الوقت الذى تنوى إسرائيل مد التطهير والإبادة الجماعية للفلسطينيين والفلسطينيات إلى رفح للتخلص منهم إما بالقتل والموت أو بالتهجير القسرى خارج أراضى فلسطين، وفى ظل هذا الوضع المأسوى ربما يكون من الضرورى أن تشحذ الدول العربية عزيمتها وتوحد صفوفها للضغط على حكومة إسرائيل المتطرفة لوقف إطلاق النار، والعودة إلى المفاوضات الجادة التى تفضى إلى إنشاء دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وغزة، ولا يمكن السماح بأن تصير الأمة العربية ومصالحها لقمة سائغة لإسرائيل تلوكها وقتما تشاء وأينما تشاء.
وتملك الدول العربية ــ خصوصا التى وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل ــ قدرات تأثير على إسرائيل منها تحجيم التبادل التجارى، وتعطيل التعاون الأمنى وتخفيض درجة التمثيل الدبلوماسى، مع نشاط أكثر فاعلية فى الأمم المتحدة والتجمعات الدولية.
كل تلك الإجراءات تستهدف وقف الحرب والانتقال إلى التسوية السلمية التى تحقق مصالح إسرائيل وبقية الأطراف، نستهدف الاستقرار والأمن بدلا من الحرب والدمار، ولا نريد أن يعيش البشر فى خوف ورعب وانتظار نهاية العالم على يد مجموعة من المتطرفين العنصريين الذين يتشدقون بمعتقدات إسرائيلية صهيونية عنصرية من صنع أيديهم ضد العرب والشعب الفلسطينى.