الكرة فى الأقلام و«الأجوال»
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 13 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
•• شهدت ساحات الرأى والفكر الكثير من القضايا الخلافية، لكنهم فى العالم الآخر يحسمون الخلاف. بينما فى مصر نجد أن كل خلاف يبدأ ولا ينتهى.. فمازلت حتى الآن أتلقى تعليقات ورسائل عن الدورى وعن الرياضة وعن أهميتها، وهل هى ضرورة فى الوقت الراهن وكيف أن هذا النشاط عند أهل السياسة والعقل، كما يظنون، يعد ترفا ولغوا ولهوا؟!
•• القضية قديمة.. فجريدة الأهرام التى كانت أول صحيفة مصرية كبرى تهتم بالرياضة، هاجمت هذا النشاط فى افتتاحيتها وذلك فى عدد ها الصادر يوم 26 يناير عام 1898 وكان المقال تحت عنوان: رياضة الأبدان ورياضة الأذهان وجاء فيه: «من غريب أمور الإنجليز كلما نزلوا فى قطر محتلين فاتحين جروا فيه على ما ألفوه فى أوطانهم وسيروا أهله على هذه الخطة التى تكون أحيانا مناقضة لعاداتهم وأخلاقهم ومن ذلك الألعاب الرياضية التى أدخلوها فى مدارسنا الأميرية، فهى بدعة، لا من حيث إنها تخلو عن بعض الإفادة، ولكن من حيث تضاع عليها الأوقات الثمينة ولا يراعى فيها الاعتدال الواجب، لأنه مشاهد ومقر باعتراف إجماع التلاميذ أن مدارسهم أصبحت ميادين ألعاب أكثر مما هى مطالب علوم».
•• المقال طويل وعنيف ضد الإنجليز وضد الرياضة، وقد تكررت القصة فى صور مختلفة على مدى مائة عام، فكان الكاتب الكبير توفيق الحكيم يرى أن حقبة الثمانينيات من القرن العشرين «أصبحت فيها الكرة فى الأجوال، وليست فى الأقلام»، حسب تعبيره.. وأذكر أن الكاتب والاديب الدكتور يوسف عزالدين عيسى كتب مقالا فى الفترة نفسها انتقد فيه الاهتمام بالرياضة، وشن هجوما عنيفا على الرياضيين، وقال إنه شخصيا كان مارس الرياضة ولم يستفد منها، وأن الثقافة هى غاية الإنسان، لأنها، حسب تعريفة، هى الشىء الوحيد الذى لا يستطيع أى مخلوق آخر مشاركة الإنسان فيه..
•• يومها كتبت تعليقا على مقال الأديب الكبير، وذكرت تعريفا آخر للثقافة نقلا عن الفرنسيين، رأيته أكثر شمولا، وهو أن الثقافة أسلوب حياة، فماذا تقرأ وماذا تلعب، وكيف تتأمل، وكيف ترى الكون، وكيف تختلف، وكيف تأكل، وماذا تلبس، وكيف ترى الموسيقى والفن والرياضة وكيف تتعامل مع المرأة، فهل تسير أمامك أم تسير خلفك أم تسير بجوارك؟
•• الثقافة أسلوب حياة، وهو أبسط تعريف، وليس جاهلا من يمارس الرياضة ويهتم بها، وقد حسمت قضية الصراع بين العقل وبين العضلات منذ زمن بعيد، لم يعد هناك إسبرطيون وأثينيون، وأبطال الرياضة لهم تقديرهم، شأن أبطال الثقافة والعلم والفن والموسيقى..
•• الرياضة تعلم الإنسان عشرات القيم، تعلمه الكفاح، والصبر، والتدريب والتعلم، وعدم اليأس، والنضال، واحترام الآخر، وتقدير الموهبة الفردية، والاعتراف بالهزيمة، وكلها وغيرها أشياء نبيلة.. وإذا كانت المفاضلة بين الثقافة وبين الرياضة ستقوم على أساس غاية الإنسان فى كل عصر، فإن السلام هو أسمى الغايات حسب ظنى، والرياضة تصنع هذا السلام فى كل متر من الكرة الأرضية، باستثناء كثير من الأمتار وكثير من الأشبار وأحيانا بسبب كثير من الاصوات والأضواء والأحبار فى مصر..
أعتقد أن الكرة أمس واليوم وغدا فى الأقلام وفى الأجوال..!