مائة وإحدى عشرة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 13 مارس 2018 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «عبده وازن» وجاء فيه: مائة وإحدى عشرة امرأة ترشحن إلى الانتخابات النيابية اللبنانية المزمع إجراؤها فى شهر مايو المقبل. هذا الرقم لم تعرفه لوائح الترشح البرلمانى سابقا فى تاريخ لبنان الحديث. فطالما كان ميدان النيابة وقفا على الرجال بل غالبا ما اتسمت النيابة بطابع ذكورى، على الرغم من بضعة اختراقات نسائية حصلت فى أحيان. وكان معظم التمثيل النسائى فى البرلمان يتم عبر خيار حزبى أو عائلى أو وراثى تحت شعار إرضاء المرأة التى هى هنا أرملة سياسى أو شقيقة زعيم أو مناضلة حزبية غير نسوية طبعا، وفى حالات قليلة استعين بنسوة ثريات من أجل توظيف ما يتبرعن به ماديا للحزب أو التكتل السياسى.
لم يكن وصول المرأة إلى البرلمان اللبنانى أو ترشحها إليه، حصيلة كفاحها ونضالها الفردى والجماعى كما حصل أخيرا، مقدار ما كان يأتى من باب لزوم ما يلزم أو ما لا يلزم. ونادرا ما ارتفع صوت امرأة فى البرلمان النيابى، ونادرا ما برز موقف لامرأة كان له وقع مدوٍ، سياسيا أو إصلاحيا أو تشريعيا. وشاعت نكتة عن نائب فى المجلس الحالى الذى مدد لنفسه تنتمى إلى أحد التيارات، تفيد بأنها كانت تغفو خلال الندوات البرلمانية.
وإن كان مبكرا الكلام عن انتصار حققته الحملات النسائية التى قامت بها جمعيات ومنظمات تعنى بحقوق المرأة اللبنانية وفى مقدمها منظمة «كفى»، فالرقم الذى سجلته المترشحات إلى الانتخابات النيابية خير دليل على مضى المرأة فى تحقيق حلمها الذى ليس هو أصلا سوى حق من حقوقها المدنية التى منحتها إياها شرعة حقوق الإنسان، ولا يزال الكثير منها مسلوبا فى لبنان. أحدثت المرأة اختراقا مهما فى جدار الترشح النيابى، كاسرة الهالة التى كثيرا ما استأثر بها الرجال. واللافت أن مرشحات كثيرات اخترن لوائح المجتمع المدنى بعيدا من وصاية الأحزاب الذكورية فى عمقها، ومن رعاية العائلات والعشائر التى ما زالت تتوارث السلطة والزعامة فى بلد ديموقراطى ظاهرا أو شكلا. وهذه خطوة تحسب للجمعيات النسائية التى شاءت مواجهة جميع السلطات بحرية ووعى، ومنها السلطة السياسية والطائفية أو الدينية والاجتماعية والعائلية... وأيا يكن عدد النساء اللواتى سيدخلن مجلس النواب فهو يظل انتصارا، صغيرا أو كبيرا، لا يهم، بل سيكون أول مدماك فى بناء مجتمع لبنانى جديد، خصوصا إذا استطاع مرشحو الحركة المدنية احتلال مقاعد أخرى كان سيطر عليها طويلا نواب طائفيون أو مذهبيون أو حزبيون أو عشائريون. وحان فعلا دخول المرشحين العلمانيين الحقيقيين الذين يمثلون شريحة غير قليلة من المواطنين على اختلاف أجيالهم ومشاربهم. إنهم المواطنون الذين ينتمون إلى وطن لم يوجد بعد، والذين يرفضون الطائفية والعائلية والعشائرية وكلها مصدر الانهيار العام والفساد والتحاصص والانقسام، ومصدر الأمراض المستعصية التى انتهكت «الجسم» اللبنانى طويلا. والمستغرب أن مرشحى المجتمع المدنى ولا سيما العلمانيين منهم الذين تمكنوا من حذف أسماء طوائفهم أو مذاهبهم عن هوياتهم وأوراقهم الرسمية، وجدوا أنفسهم مجبرين على العودة إلى خاناتهم المذهبية بحسب قانون الانتخاب الذى تم تجديده من دون المس بطائفيته. كن علمانيا أيها المواطن، لكنك ستعود إلى حظيرتك الطائفية إذا قررت الانتخاب أو الترشح، ناهيك عن أحوالك الشخصية.
فى اليوم العالمى للمرأة، لا بد من توجيه تحية إلى الجمعيات النسائية اللبنانية التى استطاعت خلال نضالها الوطنى والعلمانى أن تكسر جدار الصمت الذى طالما حاصرها، وأن تخرج إلى شمس الحرية والعدالة، وأن ترفع صوتها مدويا فى وجه السلطات التى فرضت نفسها عليها. ناضلت هذه الجمعيات وقطفت ولو قليلا من ثمار. الدرب أمامها لا تزال طويلة ولا تزال شئونها وشجونها تحتاج إلى المزيد من النضال المفتوح. العنف ضد المرأة لم يبلغ خاتمته، وهو عنف جسدى ونفسى ومعنوى، حرمان الأم منح أبنائها هويتها لا يزال عقبة كبيرة دون نيل المرأة حقوقها المدينة الكاملة، عدم مساواة المرأة بالرجل فى أمور الأحوال الشخصية يقلل من شأن المرأة فى صورها كافة، «الكفالة» الذكورية التى يفرضها الرجل عليها، سواء أبا كان أم أخا أم زوجا عيب من العيوب التى تخطاها العصر، ناهيك عن مشكلات كثيرة تنتهب حياة المرأة يوميا.
المرأة هى المرأة والرجل هو الرجل، وهما متساويان، والمساواة حق وليست هدية يُمَنُّ بها. المرأة ماضى الرجل، المرأة مستقبله... المستقبل هو المرأة.
الحياة ــ لندن