المؤتمر الاقتصادى.. معايير التقييم والحصاد
إبراهيم العيسوى
آخر تحديث:
الإثنين 13 أبريل 2015 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
أول المعايير التى ظهرت فى الكثير من تقييمات المؤتمر هو كثافة الحضور ودلالته السياسية. ولكن هل كان الحضور الكبير من أجل مصر الموقع والموضع أم من أجل دعم نظامها السياسى؟ صحيح أن من بين من حضروا المؤتمر دولا كانت لها تحفظات على ما جرى فى 3 يوليو، بل ومنها من اتخذ مواقف رافضة للاعتراف بشرعية النظام الجديد. ولكن هذه الدول لم تغير رأيها بمناسبة المؤتمر، بل غيرته منذ مدة كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأفريقى. ولم يكن لهذا التغيير من سبب سوى إقرار تلك الدول بالأمر الواقع والحفاظ على مصالحها الاقتصادية أو السياسية. وبعض الحضور ــ لا سيما المنظمات المالية الدولية ومجتمع المستثمرين الأجانب والمصريين ــ لم يكن معنيا بنوعية النظام السياسى القائم فى مصر بقدر ما كان مسرورا بمواصلة هذا النظام السير على طريق الاقتصاد الحر المفتوح الذى يفضلونه، ومعنيا بالحفاظ على مصالحه القائمة والمستقبلية فى مصر. وبالطبع كان ضمن من حضروا من أرادوا إظهار الدعم السياسى لنظام 3 يوليو الذى ساندوه من البداية لأغراض معروفة، مثل معظم دول الخليج. وثمة من حضروا بدوافع دبلوماسية. وكما لا يخفى فإن عالم الدبلوماسية وإن كان للمصالح دور مهم فيه، إلا أن المجاملات والنفاق من عناصره الأساسية. وعلى ذلك فإن الفحص الدقيق لخريطة المشاركين فى المؤتمر يشير إلى مبالغة كبيرة فى مقولة الدعم السياسى للنظام والحصول على شهادة دولية بشرعيته. وربما كانت رسالة الدعم السياسى موجهة للداخل أكثر مما هى موجهة للخارج.
•••
وثانى المعايير هو إيصال رسالة بأن مصر آمنة ومستقرة بما يشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها. هنا لابد أن ندرك أن من شاركوا فى المؤتمر من عالم المال والأعمال لا يعتمدون فى تقييم الأوضاع الأمنية والسياسية على التصريحات الرسمية. فهم يتابعون الأحداث فى مصر، ويعلمون من مصادر متعددة الكثير عن انتهاكات حقوق الإنسان وقمع المعارضين والتنكييل بهم. كما أنهم يدركون استمرار الاستقطاب والإقصاء السياسى وغلبة الصوت الرافض لأية مصالحة للنظام ليس فقط مع الخصوم ولكن مع قطاع متزايد ممن أيدوا 3 يوليو. كما أنهم لا يجهلون غياب الديمقراطية وتصلهم تصريحات الرئيس بأن أوضاع مصر لا تصلح لها ديمقراطية الغرب. أضف إلى ذلك ما بات معلوما بشأن تسييس القضاء وتجنيد معظم الإعلام للدعاية السياسية الفجة للنظام. كما أنهم ليسوا غافلين عن اضطراب الأمن وأحداث العنف، وعن إعلان النظام أنه يخوض حربا ضد الإرهاب، وعن أن البلاد فى حالة طوارئ وإن لم تكن معلنة. وغير خاف عليهم سبب عقد المؤتمر فى مدينة صغيرة ونائية يسهل تأمينها. إنهم على علم بهذا كله وإن تجاهلوه فى بعض الأحيان حسبما تقتضى مصالحهم.
وقد أفصح بعض الحضور عن قلقه من اضطراب الأوضاع، ولم يتردد فى النصح بإجراءات لتحسينها. وقد ظهر هذا بوضوح فى جلسة ممثلى المنظمات والصناديق المالية. كما ظهر بشكل أكثر وضوحا فى قول وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى إن الإصلاح سيكون أقوى فى مصر «عندما يشارك جميع مواطنيها فى صياغة مستقبلها (وهى إشارة واضحة لضرورة نبذ الإقصاء). وهذا يتطلب وجود مجتمع مدنى قوى». وأضاف «أن حرية الصحافة والتعبير والتجمع شروط أساسية لإنجاح عملية الإصلاح»، وهى إشارة لعدم الرضا عن إعلام الدولة الشمولية السائد وقانون منع التظاهر. ولذا فإن أحكاما من قبيل أن مصر قد حصلت بفضل المؤتمر على شهادة ثقة فى مستقبل الاقتصاد المصرى، وبأن السوق المصرية أصبحت من أكبر الدول الجاذبة للاستثمار هى محض تمنيات. ولا يعنى هذا عدم احتمال قدوم أية استثمارات جديدة لمصر، ولكن المتوقع قليل والقرار بشأنه سيكون محوطا بقدر كبير من الحذر وحساب دقيق للمكاسب والمخاطر.
•••
أما المعيار الثالث لتقييم نتائج المؤتمر فهو حصاده من الاستثمارات. فلنترك جانبا 12 مليار دولار قدمتها الكويت والسعودية والإمارات، باعتبار أن الجزء الأكبر منها سيودع فى البنك المركزى. أى أنها قروض متفق عليها مسبقا تضاف إلى جبل الديون الخارجية القائم، وتسترد بعد أجل لم يتحدد مع سداد فوائد غير معلن عن معدلها. ولننظر فى إجمالى الاستثمارات التى أعلن عنها وزير الاستثمار، وهو 175,2 مليار دولار. من هذا المبلغ 15 مليار دولار وقعت بشأنها اتفاقات نهائية غير معلوم شروطها ولا يوجد مجلس نيابى يناقشها. وهذا هو قدر الاستثمارات المتيقن منه ونسبته لا تزيد على 8,6 % من الإجمالى. وهو يتعلق باتفاقيات للتنقيب عن البترول والغاز فى عمليات قد تمتد على عشر سنوات أو أكثر، وكان التوقيع عليها مؤجلا لحين سداد الحكومة لجانب من مديونتها لشركات البترول الأجنبية. أضف إلى ذلك 18 مليار «اتفاقيات بناء وتوريد وتمويل» (حسب تصريح رئيس الوزراء يمثل هذا المبلغ قيمة مشروعات جديدة ستحددها الدولة خلال سنوات!)، و5,2 مليار «قروضا ومنحا من مؤسسات التمويل الدولية». وجانب من هذه المبالغ يتعلق بقروض وشراء منتجات بترولية وبعض الأغراض التى لا تنتمى إلى الاستثمار. وحتى إذا تجاوزنا عن التعاريف الدقيقة للاستثمار وعن أن بعض المبالغ قد لا ترتبط بعقود نهائية وأن معظم المبالغ كانت محل تفاوض لشهور طويلة ولم تنجز فى المؤتمر ذاته، فإن مجموع العناصر الثلاثة وهو 38,2 مليار لا يمثل أكثر من 21,8% من إجمالى الـ 175 مليار دولار.
ماذا عن الباقى وهو 137 مليارة دولار بنسبة 78,2% من الـ 175 مليار دولار؟ إن النظر إلى هذا الجزء الأكبر على أنه استثمارات أنجزها المؤتمر ينم عن عدم إدراك للفروق بين الاتفاقات النهائية وهى ملزمة، والاتفاقات المبدئية ومذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون وهى غير ملزمة. والواقع أن هذا الجزء يقع فى نطاق غير الملزم والذى يعبر عن آمال قد تتحقق وقد لا تتحقق، وتقتضى الدخول فى مفاوضات تفصيلية قد تستغرق شهورا أو سنوات. وهو يتوزع على قسمين: أولهما مذكرات تفاهم وبروتوكولات تعاون قيمتها 92 مليار دولار تخص مشروعات مثل واحة أكتوبر (مدينة سكنية وترفيهية) ومركز سياحى وتجارى وترفيهى جنوب مارينا ومحطة كهرباء وتطوير المركز اللوجيستى لتخزين الغلال بدمياط ومدينة للتجارة والتسوق بمشروع قناة السويس. وثانيهما مذكرة تفاهم بقيمة 45 مليار دولار لإنشاء المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة.
•••
ما المتوقع أن تحصل عليه مصر كاستثمار أجنبى مباشر قريبا؟ توقع وزير الاستثمار أن يصل هذا الاستثمار إلى 10 مليارات دولار فى العام المالى الحالى وأن يزيد إلى 12 مليار دولار فى العام القادم. وهذا يعنى أن المتوقع لا يزيد عما كان مقدرا فى غياب المؤتمر إلا بنحو 3 مليارات دولار فى العام الحالى وبنحو 4.4 مليار دولار فى العام القادم. والواضح أن هذه ليست بالزيادات الضخمة وأنها لا تتناسب مع الضجيج الإعلامى الذى صاحب المؤتمر.
ولكن هذا التحليل الكمى لحصاد المؤتمر يجب أن يستكمل بتحليل لنوعية الحصاد وللمستفيدين المحتملين منه، ولكلفته الاجتماعية.