الأثرياء اشتروا الصمت الأمريكى
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
آخر تحديث:
الإثنين 13 أبريل 2015 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
منذ وقت ليس ببعيد، طلب منى التحدث إلى جماعة دينية حول اتساع الفجوة فى الدخول. وقبل أن أبدأ الحديث، طلب رئيس الجماعة ألا أدعو لزيادة الضرائب على الأثرياء. وقال إنه لا يريد استعداء بعض المصلين الذين تعتمد الجماعة عليهم.
وفى العام الماضى مررت بموقف مماثل مع رئيس كلية صغيرة، دعتنى لإلقاء محاضرة، يحضرها مجلس أمناء الكلية. وقال: «سأكون شاكرا إذا لم تنتقد وول ستريت» موضحا أن عددا من الأمناء من مسئولى البنوك الاستثمارية.
ويبدو أن ذلك يحدث فى كل مكان. فقد قررت مجموعة غير ربحية مكرسة لحقوق التصويت أنها لن تطلق حملة ضد رأس المال الضخم فى السياسة خوفا من استعداء الجهات المانحة الغنية.
ونشر مركز أبحاث مقره واشنطن دراسة عن التفاوت فى الدخول لم يذكر فيها دور الشركات الكبرى ووول ستريت فى إضعاف قوانين العمل ومكافحة الاحتكار فى البلاد، ربما لأن المركز لا يريد استعداء مانحيه من الشركات ووول ستريت.
وتقوم جامعة كبرى بتشكيل البحوث والدورات حول الموضوعات الاقتصادية التى تهم أكبر المانحين، وتجنب أى ذكر لنفوذ الشركات الكبيرة ووول ستريت على الاقتصاد.
ومن المؤسف للغاية أن المال الوفير يشترى الساسة. بل إنه يشترى أيضا المنظمات غير الهادفة للربح التى اعتادت أن تكون مصادر التحقيق والمعلومات، والتغيير الاجتماعى، عن انتقاد المال الوفير.
وتشهد مصادر التمويل الأخرى تراجعا، كما تتضاءل المنح البحثية. ونادرا ما تزيد الأموال المخصصة للخدمات الاجتماعية من الكنائس والجماعات المحلية. وتقلص المجالس التشريعية تمويل الجامعات. ويجرى خفض مخصصات تليفزيون الدولة، ومتاحف الفنون والمكتبات العامة.
•••
فماذا عساها تفعل المنظمات غير الهادفة للربح؟
قال لى أحد عمداء الجامعات: «هل هناك حقا أى خيار؟»، وأضاف «علينا أن نتحرك حيث يوجد المال».
والمال الآن لدى الشركات الكبرى وفى جيوب كبار الأثرياء. أكثر من أى وقت مضى منذ العصر الذهبى فى أواخر القرن التاسع عشر.
ويتملق الآن، حتى رؤساء الجامعات، والجمعيات، ومراكز البحوث، والمنظمات غير الهادفة للربح، الأثرياء كما لم يحدث من قبل.
ولكن هذا المال غالبا ما يأتى ومعه الأغلال.
فعندما تمول شركة كومكاست، على سبيل المثال، منظمة غير ربحية مثل المركز الدولى للقانون والاقتصاد، سوف يدعم المركز الاندماج المقترح بين كومكاست وتايم وارنر.
وعندما تتعهد مؤسسة تشارلز كوش بدفع ١.٥ مليون دولار لقسم الاقتصاد بجامعة ولاية فلوريدا، فإنها تشترط أن تختار لجنة استشارية تعينها كوش، الأساتذة، وتتولى وضع تقييمات سنوية.
وتقوم كوش الآن بتمويل ٣٥٠ برنامجا فى أكثر من ٢٥٠ كلية وجامعة فى أنحاء أمريكا. ولا شك أن هذا التمويل لا يشمل البحوث حول التفاوت فى الدخول أو العدالة البيئية.
وقد حصل ديفيد كوتش مقابل التبرع بـ ٢٣ مليون دولار لتليفزيون الدولة على مقعدين فى مجلسى إدارة اثنتين من محطات البث العام البارزة. كما ضمن أيضا إعداد فيلم وثائقى عن كوش، لم يعرض.
وكما قال روبى ليرنر، رئيس شركة كرييتيف كابيتال والمدير المؤسس لها، وهى مؤسسة مانحة للفنون، لصحيفة نيويوركر: «الرقابة الذاتية» التى يمارسه التلفزيون العام.. تثير قضايا حول ما يعنيه التليفزيون العام. إنهم يتعرضون للكثير من الضغوط بسبب التمويل».
وقد تبرع ديفيد كوخ أيضا بعشرات الملايين من الدولارات إلى المتحف الأمريكى للتاريخ الطبيعى فى نيويورك ومتحف سميثسونيان الوطنى للتاريخ الطبيعى، وحصل على مقعد فى كل من مجلسى إدارتهما.
وقبل أسابيع قليلة طالب العشرات من علماء المناخ والجماعات البيئية، متاحف العلوم والتاريخ الطبيعى «بقطع كل العلاقات» مع شركات الوقود الأحفورى والمحسنين مثل الإخوة كوخ.
وقال بيانهم «عندما يتولى بعض من أكبر المساهمين فى تغيير المناخ وممولى المعلومات الخاطئة فى علوم المناخ، رعاية المعارض يقوض ذلك ثقة الجمهور فى صحة المؤسسات المسئولة عن نقل المعرفة العلمية».
فعلى الرغم من أن اتفاقات المنح للجامعات والمتاحف والمنظمات الأخرى غير الهادفة للربح فى كثير من الأحيان، تحظر على المانحين المشاركة فى اتخاذ القرارات حول ما يجرى بحثه أو إعلانه، لا تريد هذه المؤسسات أن تعض الأيدى التى تطعمها.
ولا تعتبر هذه مسألة أيديولوجية. حيث يمكن للتقدميين الأثرياء التأثير على جداول أعمال المنظمات غير الهادفة للربح، بنفس القدر الذى يؤثر به المحافظون الأثرياء.
وكأنها تتعلق بتأثير المال الوفير على ما يجب وما لا ينبغى الاستقصاء بشأنه، وكشفه، وبحثه ــ وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة الوثيقة بين تركز الثروة والسلطة السياسية، وكيف تعزز هذه السلطة الثروة الضخمة.
ولا شك أن العمل الخيرى نبيل. ولكن عندما يكون فى الغالب فى أيدى عدد قليل من الشركات فائقة الثراء والعملاقة، ويكون اللعبة الوحيدة المتاحة، فإنه يمكن بسهولة أن يساء استخدامها. وتتعرض ديمقراطيتنا لتهديد مباشر، عندما يشترى الأغنياء ذمم السياسيين.
ولا يقل عن ذلك فى الخطورة، الشراء الأكثر تخفيا وغدرا للمؤسسات التى تعتمد عليها الديمقراطية فى البحث والتحقيق، والفضح، وتعبئة الجهود ضد ما يحدث.
روبرت ريتش
robertreich.org