وماذا بعد فشل مفاوضات سد النهضة؟

صفوت قابل
صفوت قابل

آخر تحديث: الجمعة 13 أبريل 2018 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

بعد الحديث عن الأجواء الإيجابية قبل بدء اجتماعات وزراء الخارجية والرى والمخابرات فى مصر وإثيوبيا والسودان للتوصل إلى تفاهمات حول آثار سد النهضة على دول المصب والذى انعقد فى الخرطوم فى إبريل 2018، جاء إعلان فشل التوصل إلى توافق بشأن قرار مشترك بين دول السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الإثيوبى، ويطرح هذا الفشل فى التوصل إلى صيغة تقبل بها الأطراف الثلاثة سؤالا لابد من محاولة البحث عن إجابة له وهو: وماذا بعد هذا الفشل؟ وهل تستمر هذه الاجتماعات التى طالت دون التوصل لتفاهمات حول ما يتعلق بتشغيل هذا السد وآثاره على دول المصب؟

***

فى اعتقادى أن السياسة المصرية تجاه هذه المشكلة المصيرية تتطلب البحث والتوصل إلى قرارات عملية فيما يلى:
1ــ ما هى جدوى الاستمرار فى هذه المحادثات؟ وإذا تم احتساب فترة الاجتماعات منذ مارس 2015 حيث تم توقيع وثيقة «إعلان مبادئ سد النهضة» من الرؤساء الثلاث والذى نص على أن تقوم المكاتب الاستشارية بإعداد دراسة فنية عن سد النهضة فى مدة لا تزيد على 11 شهرًا، ويتم الاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز سد النهضة وتشغيله دون الإضرار بدولتى المصب، وها قد مضى أكثر من ثلاث سنوات دون التوصل إلى أى نتائج، وفى ديسمبر 2015 وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة الخرطوم التى تضمنت الاتفاق على تكليف مكتبين فرنسيين لتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بمشروع سد النهضة وتحديد مدة زمنية لتنفيذ الدراسات فى مدة تتراوح ما بين 8 أشهر إلى عام، وبعد سنتين (وليس عاما كما كان الاتفاق) وفى 13 نوفمبر 2017، وبعد مفاوضات على مدار يومين بين وزراء الموارد المائية الثلاثة، رفضت السودان وإثيوبيا الموافقة على التقرير الاستهلالى الخاص بدراسات «سد النهضة» وأكدت مصر عدم التوصل لاتفاق، ثم كان الاجتماع الأخير الذى لم يتم فيه أيضا التوصل لاتفاق.
ومن الواضح أن إثيوبيا تنتهج المماطلة وسياسة الاستمرار فى المحادثات لكى يكون هناك تحرك فى هذه المشكلة بينما هى تمضى فى فرض الأمر الواقع باكتمال بناء السد وبدء تخزين المياه، لذلك على الحكومة المصرية وضع سقف زمنى لهذه المفاوضات لا يتعدى الشهور القليلة للتوصل إلى اتفاق، فإذا لم يحدث ذلك يتم الإعلان عن فشل المحادثات والبحث عن وسائل أخرى لمواجهة هذه المشكلة.
2ــ فى اجتماعات القمة الإفريقية فى يناير 2018 خرج الرئيس السيسى مع الرئيس السودانى ورئيس وزراء إثيوبيا حيث تحدث الرئيس السيسى فقط وطمأن الجميع أنه لا توجد أزمة وأن الدول الثلاث هى مصلحة واحدة بل وصل الأمر إلى قوله مبروك وكأن الأزمة قد انتهت، وهو بالطبع ما لم يحدث، ومن الممكن أن يكون الرئيس السيسى هو أول غير المطمئنين الآن، لذلك من المطلوب التوقف عن تصريحات الطمأنة هذه، فقد يكون هدفها الداخل المصرى ولكنها غير مفيدة خارجيا؛ حيث تستخدمها إثيوبيا فى الترويج أنه لا توجد مشكلة بينما المشكلة تتفاقم ضد مصالح مصر.
3ــ من الواضح أن المكتبين الاستشاريين لن يبدآ الدراسات المطلوبة ما دام لم يتم الاتفاق على التقرير الاستهلالى لهما، فلماذا لا تكلف الحكومة المصرية مكتبا استشاريا دوليا ليقوم بالدراسات المطلوبة، حتى تستطيع الدولة الحصول على تأييد الدول المؤثرة فى هذه المشكلة من منطلق دراسات علمية من جهة علمية محايدة.
4ــ مشكلة بهذا الحجم والأهمية تتطلب فريقا متكاملا لإدارة الأزمة من كل التخصصات وهو ما يمكن تسميته «خلية إدارة الأزمة» تشمل خبراء فى المجالات المرتبطة بالمشكلة ليكون أمام متخذ القرار دراسات عن البدائل المختلفة، وبالتالى ليس من الصواب ترك المجال لجهة واحدة تتولى هى الدراسات وإدارة الأزمة، وخاصة مع تغير وزير الرى ومدير المخابرات أكثر من مرة.
***
5ــ هناك قناعة لدى المسئولين فى مصر أن المشكلة يمكن حلها من خلال توطيد العلاقات مع الجانب الإثيوبى وزيادة المصالح المشتركة بينهما، وهو ما أدى إلى زيادة الاستثمارات المصرية فى إثيوبيا، ولكننى أعتقد أن هذه الاستثمارات المصرية يمكن أن تتخذها إثيوبيا رهينة وتحاول الضغط على الحكومة المصرية لمنعها من تصعيد موقفها خوفا على هذه الاستثمارات، لذلك يجب التوقف عن هذا التوجه وتقليل حجم هذه الاستثمارات، لأن هناك تعارضا فى المصالح بين إثيوبيا ومصر فى مشكلة مياه النيلا وبالتالى يجب إزاحة هذه الاستثمارات عن هذه المواجهة.
6ــ كذلك على الدولة أن تتوقف عن سياسة إخفاء الحقائق عن الشعب، لأنه فى مثل هذه الأزمات لابد من مساندة شعبية لموقف الحكومة وهو ما تحاول إثيوبيا الترويج له دعائيا بأن سد النهضة هو قرار مصيرى لكل طوائف الشعب الإثيوبى، بينما فى مصر لا نعرف ماذا يحدث إلا تصريحات مقتضبة للطمأنة، فلم نعرف الحقيقة عما نشر أن الحكومة الإثيوبية أرسلت للحكومة المصرية تخطرها بأنها ستبدأ فى تخزين مياه النيل ومدة ملء الخزان، لأنه إذا حدث ذلك فلا معنى لاستمرار المحادثات وتكون الدولة المصرية هى التى تضيع الوقت فيما لا طائل من ورائه.
7ــ يجب على الدولة أن تحدد موقفها النهائى ومطالبها والأسانيد القانونية التى تستند إليها، ولا تعطى الانطباع بإمكانية تغير موقفها، فلقد تراجعت الحكومة عن معارضة بناء السد إلى الموافقة عليه بناء على سياسة القبول بالأمر الواقع وأصبح مطلبها الآن هو مدة ملء الخزان وهو الحد الأدنى الذى لا يمكن التراجع عنه، مع أنه كان من المفترض أن تربط الحكومة المصرية موافقتها على بناء السد بتحديد مواصفاته الفنية وخاصة ارتفاعه.
8ــ لابد من تقوية العلاقات مع دول الجوار الإثيوبى وخاصة إريتريا والصومال بكل انقساماته وعدم التخوف من القلق الإثيوبى من ذلك.
9ــ من الأخطاء التى ترتكبها الحكومة سياسة تجاهل المشاكل حتى تتفاقم ويصعب مواجهتها، وهو ما حدث بالنسبة لاتفاقيات تقاسم المياه، حتى فوجئت بتوقيع غالبية دول حوض النيل على اتفاقية عنتيبى التى ترفض الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، وإذا كانت الحكومة أخطأت حتى تم إقرار الاتفاقية فإنها تزيد من أخطائها بتجاهل الاتفاقية، فعلى الحكومة الحوار مع دول حوض النيل السبع الأخرى ومحاولة تحسين العلاقات معهم وتحويل موقفهم المعادى لمصر إلى المؤيد أو المحايد على الأقل وهو أمر ليس صعبا ولكنه يحتاج لرؤية مصرية غير متكاسلة.
10ــ وفى إطار التعامل مع دول حوض النيل، لماذا لا تحاول الحكومة الحصول على موافقة حكومة جنوب السودان على استئناف العمل فى قناة جونجلى، والتى يمكن أن تضيف الكثير من مياه النيل التى تعوض الاحتياجات المتزايدة لمياه النيل، وفى ظل تحسن وتنامى العلاقات بين البلدين يمكن تنفيذ هذه القناة.
11ــ كذلك من الخطأ أن تعطى الدولة الانطباع بأنها تقبلت نقص حصتنا من مياه النيل وأنها تبحث عن بدائل لذلك بتخفيض مساحات زراعة الأرز وهو ما أثار الخلاف بين المتخصصين فى هل يؤدى ذلك إلى زيادة ملوحة أراضى الدلتا، وهو ما يحتاج إلى دراسات متعمقة وليس سياسة التجاهل الحكومى المعتادة تجاه ما يتعارض مع سياستها.
12ــ كذلك من الخطأ الترويج إلى أننا لن نتعرض لمشاكل نتيجة نقص مياه النيل وأن الحكومة كما يصرح مسئولوها ستبنى أكبر وأضخم محطات تحلية مياه البحر، فالاقتصاد المنهك لن يتحمل هذه التكاليف المرتفعة التى لا تقوى عليها الدول الغنية، كما أنها لن تكون بالحل السليم.

***

وهكذا يمكن القول إن الأداء الحكومى فى مواجهة قضية بمثل هذه الخطورة، ليس على المستوى المطلوب، فمجرد محاولة إبقائها داخل الغرف المغلقة هو خطأ فادح، فلابد من تفعيل الدور الشعبى والرأى العام فى هذه القضية، حيث لا يمكن أن تخاطب الخارج بشيء لا يعرفه الداخل، وإذا فعلت ذلك لن تكون لك المصداقية أمام الآخرين وسيعتقدون أن هذه نقطة ضعفك، وبالتالى يستمرون فى الضغط من أجل الحصول على ما يريدون اعتقادا منهم أنك لا ترغب فى مواجهة الداخل بما يحدث، فلابد من تغيير طريقة التعامل الرسمى للحكومة مع هذه القضية.
وعلى الحكومة ألا تقف موقف المتفرج على المشاكل التى تتعرض لها دول حوض النيل، فالبعد عن المشاكل ليس غنيمة فى كل الأحوال، بل لابد من التدخل الإيجابى للمساعدة على حل هذه المشاكل، بحيث يكون لمصر صوتا مسموعا فى كل القضايا، ووزنا لا يقدر الآخرين على محاولة التقليل منه، وعلينا أن ندرك أن دور مصر الإقليمى لن يكون بمجرد ترديد أقوال الريادة، بل بالانغماس فى قضايا المنطقة.

إننا لا نحتاج لمن يطمئننا على مياه النيل بقدر ما نحتاج لمن يقوى على التصدى لمحاولات فرض الأمر الواقع وضياع حقنا فى المياه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved