لماذا يصعب على أمريكا إنهاء حروبها؟!

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 13 أبريل 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة «ذا نيويوركير» مقالا للكاتبة روبن رايت ترى فيه أن أى قرار بانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط سيكون من المستحيل تطبيقه على أرض الواقع، وتوضح أسباب ذلك فى سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان... نعرض منه ما يلى:
فى مارس، قام الجنرال كينيث ماكنزى الابن، قائد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بجولة سريعة فى العراق وسوريا وأفغانستان ولبنان ــ مسرح العمليات الأمريكية الأكثر اضطرابا. عندما تولى الرئيس جو بايدن منصبه، كانت أعداد القوات الأمريكية فى الدول الأربع قد انخفضت، ومن الناحية الفنية لم تعد هذه القوات تقاتل، حيث اقتصرت مهامها إلى حد كبير على مساعدة الحلفاء المحليين ومشاركة أو الحصول على المعلومات الاستخباراتية، وتوفير القوة الجوية من حين لآخر، ودعم عمليات السلام المحلية. ومع ذلك، قد تكون هذه المرحلة الأخيرة مربكة، فالولايات المتحدة لا يمكنها «الفوز» فى أى من الدول الأربع، ولا يزال حلفاؤها ضعفاء عسكريا ما مكن حلفاءهم من زيادة قوتهم ونفوذهم.
منذ آلاف السنين، أعرب السياسيون، من شيشرون إلى ونستون تشرشل وريتشارد نيكسون، عن رأيهم فى «السلام بشرف» لإنهاء الاشتباكات العسكرية. بايدن هو رابع رئيس يحاول تحقيق ذلك فى الشرق الأوسط وجنوب آسيا فى القرن الحادى والعشرين. هناك الكثير من الجدل فى واشنطن حول ما يجب أن يفعله وما إذا كان ينبغى للولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة. فمع التحول تجاه آسيا وتحقيق الاعتماد الذاتى على الطاقة الأمريكية، لماذا قد يستمر الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط... من بعيد تبدو الفكرة جذابة، ولكن على أرض الواقع الأمر ليس سهلا.
***
بالنسبة لبايدن، إرثه قد يكون متناقضا؛ أن يكون الرئيس الأمريكى الذى أخرج أمريكا من مستنقعات الشرق الأوسط، أو أن يكون الرئيس الأمريكى الذى تنازل لداعش ونظام الأسد والمتطرفين والميليشيات وأيضا روسيا. إرث بايدن سيكون إرثا أمريكيا أيضا... بعد عامين من انهيار ولاية داعش، فى مارس 2019، لا يزال هناك ما بين ثمانية وستة عشر ألف مقاتل من التنظيم ينفذون اغتيالات وتفجيرات انتحارية فى العراق وسوريا. والمشكلات فى العراق لم يتم حلها بعد ثمانية عشر عاما من الإطاحة بنظام صدام حسين. القضاء على داعش لن ينهى التهديد لأن الظروف التى أنتجت التطرف لاتزال موجودة.. فلماذا نتوقع نتائج مختلفة؟
لدى الرؤساء الأمريكيين عادة سيئة فى إصدار أوامر للقضاء على رجل واحد سيئ فقط، وهو ما يولد دائرة أكبر من الأشرار الجدد الذين يتطورون إلى تهديدات عسكرية محلية أو عالمية. العراق مثال رئيسى؛ تعهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى ــ وهو شيعى ــ باستخدام نفوذه المحدود لكبح الميليشيات الشيعية. الشيعة فى العراق الآن منقسمون بين مؤيدى الكاظمى وداعمى الميليشيات أو بشكل أساسى حول ما إذا كانوا يريدون بقاء الولايات المتحدة أو رحيلها. تعمقت الفجوة خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات فى أكتوبر لدرجة أن المسئولين الأمريكيين قلقون من اندلاع حرب أهلية بين الفصائل الشيعية.
فى سوريا، تدعم أمريكا قوات سوريا الديمقراطية فى حربها ضد داعش، ويمكن للوجود العسكرى الأمريكى أن يخلق نفوذا لحلفائها فى حل نهائى للصراع السورى الذى طال أمده. إن ما يحدث فى سوريا سيكون فى النهاية مسألة سياسية، وليست عسكرية، وقوات سوريا الديمقراطية لديها ورقة مساومة مهمة وهى سيطرتها على حقول النفط التى يحتاج نظام الأسد عائداتها لعملية إعادة الإعمار. لا تسيطر أمريكا على حقول النفط كما زعم ترامب، ولكن بإمكانها دعم قوات سوريا الديمقراطية فى ذلك. كما أن الوجود الأمريكى يحد من القوات الروسية والإيرانية والسورية التى تسيطر على معظم سوريا ولكنها لا تريد شن حرب بينما يتواجد الأمريكيون.
هناك خطر آخر على الأبواب، فلا تزال قوات سوريا الديمقراطية، التى لا تمتلك سجونا كبيرة أو نظاما قضائيا، تحتجز اثنى عشر ألفا من مقاتلى داعش السابقين وأكثر من ستين ألفا من أفراد عائلاتهم، الذين ترفض دولهم استعادتهم. معظم العائلات فى مخيم الهول ينتمون إلى ثمانية وخمسين دولة، أربعة وعشرون منها أوروبية، ثلثهم من أطفال يحصلون على تلقين عقائدى بدلا من التعليم. مخيم الهول بؤرة للتطرف والأطفال به يمثلون جيلا عنيفا متطرفا.
فى لبنان، توغلت داعش فى الجبال الشرقية، وما يثير القلق هو أن لبنان بلا حكومة منذ أغسطس الماضى. اقتصاد لبنان ينهار وعملتها فقدت 90% من قيمتها. لبنان التى كان يطلق عليها سويسرا الشرق الأوسط يعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر. الجيش اللبنانى هو مؤسسة الدولة الوحيدة التى لا تزال تعمل، حتى مع حصول جنودها على جزء يسير من رواتبهم. قال أحد القادة الأمريكيين «نحن نخسر لبنان.. ولم يتبق سوى أشهر». أقوى مؤسسة بعد الدولة هو حزب الله، ومن بين الميليشيات العديدة فى الشرق الأوسط، هو الأكثر احترافا.
الاختبار الأقرب لبايدن سيكون أفغانستان. تسيطر طالبان على نصف الأراضى بعد عقدين من الحرب واستثمار أمريكى وصل لتريليون دولار. ستنعقد محادثات سلام فى 16 أبريل فى إسطنبول، لكن احتمالات التوصل إلى اتفاق دائم تبدو ضئيلة. فى الشهر الماضى، حث وزير الخارجية تونى بلينكين على تشكيل حكومة لتقاسم السلطة، وهو ما رفضه الرئيس الأفغانى أشرف غنى الذى يقترح إجراء انتخابات جديدة، والتى ترفضها طالبان. فى غضون ذلك، فى اتفاقها الخاص مع طالبان، تلتزم الولايات المتحدة بسحب آخر ثلاثة آلاف جندى فى أفغانستان بحلول الأول من مايو. بدون دعم الولايات المتحدة، من شبه المؤكد أن يخسر الجيش الأفغانى المزيد من النفوذ وربما حتى معظم البلاد لصالح طالبان. وتدرك القيادة المركزية الأمريكية أن القاعدة من الممكن أن تعود تحت حكم طالبان وتشن هجمات على الولايات المتحدة.
***
يواجه بايدن قرارات صعبة فى كل دولة من الدول الأربع، وهى دول تواجه الفشل أو أزمات وجودية. لذلك ينادى الأمريكيون بانسحاب وعودة القوات الأمريكية، فالمنطقة تمثل فوضى يجب تجنبها. قال الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومى السابق الذى أقاله الرئيس ترامب، بأن الولايات المتحدة يجب ألا تنسحب لثلاثة أسباب: التنافس مع روسيا والصين على النفوذ فى معقل موارد الطاقة العالمى، واحتواء التطرف والإرهاب، وتجنب التأثير طويل الأمد للانسحاب. فانسحاب الولايات المتحدة لن يعالج العنف بالمنطقة ولن يعزل الولايات المتحدة عنها. لكن هناك آخرين يدعون لانسحاب الولايات المتحدة، ويرون أن مغامرات أمريكا فى الشرق الأوسط شجعت الجماعات المتطرفة وأججت المشاعر المعادية للولايات المتحدة.
من السهل اتخاذ إجراءات حاسمة من على بعد، أما على الأرض فهذه القرارات تعد لغزا سياسيا مرعبا.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved