هل انتهت الأزمة في مصر؟
شريف عثمان
آخر تحديث:
الأربعاء 13 مايو 2009 - 10:40 ص
بتوقيت القاهرة
ارتفعت البورصة المصرية ارتفاعا كبيرا بـ«المقاييس الدولية المتعارفة» خلال الفترة القصيرة الماضية. فقد ارتفع المؤشر العام للبورصة 30EGX بحوالى 70% من المستوى، الذى وصل إليه فى 5 فبراير 2009 حين سجل أدنى مستوى له هذا العام.
كما ارتفعت أيضا بعض الأسهم بنسب تفوق نسبة ارتفاع المؤشر، حيث تضاعفت أسعار بعض الأسهم وزادت أسعار غيرها بنسب أعلى كثيرا خلال الشهور الثلاثة الماضية. وهنا دار فى أذهان الكثيرون تساؤل حول ما إذا كانت الأزمة المالية ــ والاقتصادية ــ قد انتهت فى مصر، على أساس أن البورصات عادة ما تكون تعبير عن حالة الاقتصاد فى البلد، بل إنها غالبا ما تكون سابقة للتغيرات التى تحدث فى الاقتصاد، فإذا ارتفعت أسعار الأسهم زادت التوقعات بتحقيق نمو اقتصادى وانتعاش فى الأسواق، بينما تكون التوقعات فى الاتجاه العكسى فى حالة انخفاض الأسهم، وهو ما حدث بالفعل خلال عام 2008، حيث انخفضت أسعار الأسهم بصورة كبيرة قبل أن تصل الأزمة الى ذروتها فى الربع الأخير من نفس العام.
والحقيقة أن الإجابة عن هذا التساؤل تشوبها العديد من المخاطر. فعلى الرغم من اتفاقنا مع الرأى السابق بكون البورصة تعبيرا صادقا عن حالة الاقتصاد فى الدولة إلا أننا نستطيع القول بقدر من الثقة أيضا إن مؤشر البورصة لم ولن يكون أبدا المؤشر أو المقياس الوحيد لحالة الاقتصاد فى أى دولة. وفى هذا الصدد أحب أن أرصد بعض المؤشرات، التى لابد وأن تؤخذ فى الاعتبار قبل استشراف نهاية الأزمة فى مصر، وهى:
ــ ارتفاع حجم الدين المحلى، فبعد الإعلان عن خطة تحفيز الاقتصاد بإنفاق 15مليار جنيه قبل بدء السنة المالية 2009 ــ 2010، و15مليارا أخرى، من المتوقع أن يصل العجز فى الموازنة العامة للدولة إلى ما يقرب من 100مليار جنيه، وبنسبة لا تقل عن 8.5% من الناتج المحلى الإجمالى. وبالطبع فإن التمويل سيتم عن طريق إصدار أوراق مالية جديدة من أذون وسندات الخزانة (بدأ بالفعل)، تقوم الحكومة بمقتضاها بالاقتراض من البنوك والشركات والأفراد.
وتتراوح هذه الإصدارات ما بين قصيرة الأجل (ابتداء من 3 شهور) إلى متوسطة وطويلة الأجل (10سنوات)، كما يوجد فى الأسواق حاليا سندات كانت مدتها 20 سنة وقت إصدارها فى 2005 وتستحق فى 2025. ولا يخفى على أحد أن معنى ذلك أن تكلفة ذلك الاقتراض سيتحمل جزءا منها أجيال قادمة لم يكن ذنبها وجود ذلك العجز أو القرار، الذى تم اتخاذه لتمويل ذلك العجز. ناهيك عن أن زيادة مديونية الحكومة فى حد ذاتها لا تعد مؤشرا جيدا بأى حال من الأحوال.
ــ انخفاض احتياطات النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى فى نهاية أبريل 2009 لتصل إلى 31.188 مليار دولار أمريكى بعد أن كانت قد تخطت 35 مليارا من شهور قليلة. وقد نتج هذا الانخفاض بالطبع عن ظهور عجز فى ميزان المدفوعات بعد فترات من الفائض. والعجز بدوره نتج عن التأثيرات المتوقعة للأزمة العالمية على الاقتصاد المصرى. فالأزمة أدت إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة الوافدة إلى مصر، كما أدت إلى انخفاض حصيلة السياحة القادمة إلى مصر، وأيضا انخفاض عائدات قناة السويس بسبب انخفاض حجم التجارة العالمية، وبنسبة أقل أدت الأزمة إلى انخفاض حصيلة الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج بعد الاستغناء عن العديد منهم. ويعتبر انخفاض احتياطات النقد الأجنبى مشكلة كبيرة بالنسبة لدولة مستوردة كمصر.
فبالإضافة إلى أن المستوى الحالى للاحتياطات لا يغطى أكثر من 6.5 شهور من الواردات (الحد الأدنى الآمن هو 6 شهور)، فإن ذلك الانخفاض يضعف قدرة البنك المركزى على التدخل فى الأسواق للحد من انخفاض قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار عند حدوث ارتفاعات شديدة، وهذا بدوره يزيد من توقعات انخفاض قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار فى الفترة القادمة، وواضح بالتأكيد ما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من تزايد الضغوط التضخمية فى مصر.
ــ ارتفاع معدل البطالة فى مصر ليصل إلى 9.4% خلال الربع الأول من العام الحالى 2009 (مع وجود توقعات قوية بتجاوزه 10% قرب نهاية العام) كنتيجة طبيعية لانخفاض معدلات النمو فى مصر التى وصلت إلى 4.1% خلال نفس الفترة.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير التنمية الاقتصادية الدكتور عثمان محمد عثمان (وهو بالمناسبة وزير التخطيط سابقا) كان قد توقع وصول معدلات البطالة إلى 10% على افتراض أن الحكومة ستتدخل لحل الأزمة عن طريق مشروعات البنية الأساسية، التى توفر فرص عمل، مما يوحى بتوقع تجاوز البطالة لتلك المعدلات فى حالة عدم تدخل الحكومة.
الواقع إذن يقول إن الأزمة المالية ــ أو التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية ــ لم تنته بعد، بل إن الواضح أن الأزمة المالية أربكت الحياة الاقتصادية فى مصر بعد أن بدأت تؤثر فى مكونات الاقتصاد الحقيقى من دخل قومى (أو فردى)، ومعدلات استهلاك واستثمار، وبالتالى معدلات نمو الناتج المحلى والتوظيف، مما يرجح أننا قد نرى فى المستقبل القريب ما هو أسوأ من الوضع الحالى، خاصة من ناحية انخفاض معدلات النمو والتوظيف.
وعلى الرغم من ذلك يمكن القول إن الأزمة نفسها تمثل فرصة كبيرة لتحقيق قفزة نوعية فى الاقتصاد المصرى. فلو أحسنت الحكومة استخدام الأموال المزمع إنفاقها ووجهتها الى مشروعات كثيفة العمالة، تساعد على تطوير البنية الأساسية، وتعمر المناطق النائية غير المستغلة فى أنحاء البلاد، مستعيضة بالاستثمارات العامة عن الانخفاض المتوقع فى استثمارات وتوسعات القطاع الخاص، من الممكن أن تخرج مصر من الأزمة أقوى مما دخلتها، وتكون قد وفرت الأساس المطلوب لبناء اقتصاد قوى قادر على تحقيق قفزات غير مسبوقة فى معدلات النمو عند استقرار الأمور، ولكن لهذا حديث آخر يمكن الرجوع إليه فى مقال قادم بإذن الله.