إسرائيل من الصهيونية إلى اليهودية

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 13 مايو 2012 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

مع سرعة تحول إسرائيل من الصهيونية إلى اليهودية يبدو أن بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة مرشح لأن يصبح الرجل الأخطر فى الشرق الأوسط، ليس على الفلسطينيين وحدهم، إنما على الاسرائيليين أيضا.

 

إن قراءة متأنية لمواقفه بتوسيع وتسريع وتيرة بناء المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية وضمها إلى اسرائيل، وإبعاد العرب مسلمين ومسيحيين إلى خارج حدود الدولة اليهودية وعرقلة مشروع التسوية السياسية على قاعدة الدولتين، ترسم صورة له تعيد إلى الأذهان الصورة الأولى التى رسمت عن أدولف هتلر قبل أن يصبح الرجل الأول فى ألمانيا، والرجل الأخطر فى أوروبا والعالم. قد يبدو هذا التشبيه مثيرا للاستغرب. ولكن هذا ما حدث أيضا عندما بدأ هتلر إطلالاته العنصرية الفجة فى مدينة ميونيخ الألمانية فى منتصف العشرينيات من القرن الماضى.

 

كان مراسل صحيفة هيرست الامريكية كارل فون ويفرد أول صحفى أمريكى يجرى مقابلة مع هتلر. وفى المقابلة التى نشرها عنه فى عدد نوفمبر ــ تشرين الثانى 1922، وصفه بأنه «متحدث جذاب يتمتع بعبقرية تنظيمية، وانه قادر على استقطاب الجماهير مما قد يجعل منه فى وقت قريب ديكتاتورا على بافاريا كلها».

 

مع ذلك فإن القليل من الأمريكيين والأوروبيين بمن فيهم الألمان أنفسهم أخذوا هتلر على مأخذ الجد. كانوا ينظرون إلى تصرفاته وحركاته وكلماته باستهزاء وسخرية. وكانوا يصفونه بالمهرج السياسى لمواقفه الشديدة التطرف. وهى الصفات ذاتها التى تطلق اليوم على نتنياهو أيضا. إلا أن من الصحفيين كالصحفى اليهودى الأمريكى ادغار ماورير، مراسل صحيفة شيكاغو ديلى، من شعر بالخطر الذى يمثله هتلر فى وقت مبكر. فقد حذر ماورير اليهود الألمان فى مقالات نشرتها له الصحيفة الامريكية، مما قد ينتظرهم من هتلر. ودعاهم إلى التفكير بمغادرة ألمانيا قبل أن يهبّ إعصار النازية الذى تمثل فيما بعد بالمحرقة الكبرى. ولكن الكثيرين منهم لم يصدقوه. والقلة الصغيرة فقط، استجابت لدعوته بالهجرة وأنقذت نفسها فى الوقت المناسب. ذلك ان اليهود الألمان لم يتصوروا للحظة أن الشعب الألمانى سوف يلتف يوما حول هذا «المهرج» وأنهم سوف يطيعونه طاعة عمياء. اما الأمريكيون فلم يتعاملوا مع التحذيرات المبكرة بجدية، لأنهم ما كانوا يتصورون انهم سوف يخوضون حربا عالمية ثانية ولما تندمل بعد جراحاتهم من الحرب العالمية الأولى.

 

وبقية القصة معروفة. وهذه البقية تشكل بداية القصة مع نتنياهو. كان هتلر يتحدث عن إقامة ألمانيا الكبرى ونتنياهو يتحدث اليوم عن اسرائيل الكبرى. وكان هتلر يرفع شعار «ألمانيا للألمان»، ونتنياهو يرفع اليوم شعار «إسرائيل لليهود»، وكان هتلر يتحدث عن تصفية من كان يطلق عليهم لقب «الأعداء الداخليين» وكان يقصد بهم اليهود بشكل خاص، وهو التعبير ذاته الذى يستخدمه نتنياهو فى الحديث عن الفلسطينيين العرب الذين يصفهم بأنهم يشكلون ديموغرافيا قنبلة موقوتة تهدد هوية إسرائيل وأمنها.

 

●●●

 

بدأ هتلر مشروعه بضم النمسا إلى ألمانيا فى عام 1938. وبدأ نتنياهو مشروعه بضم المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية المحتلة إلى اسرائيل. ثم فاجأ هتلر العالم بغزو بولندا مطلقا شرارة الحرب العالمية الثانية. فأين سيفاجئ نتنياهو العالم؟.. هل تكون المفاجأة بتمرير عدوان تدميرى يستهدف المسجد الأقصى، كمدخل لضم القدس الشرقية وتفريغها بالقوة من مواطنيها العرب؟

 

ربما كان فى حسابات هتلر استغلال الفرصة التاريخية التى كانت تتمثل فى ذلك الوقت بالعداء بين الشيوعية ممثلة فى روسيا والرأسمالية ممثلة فى الولايات المتحدة لتمرير مشروعه العنصرى. وربما يكون فى حسابات نتنياهو اليوم استغلال الفرصة التاريخية التى تتمثل اليوم فى الصراعات العربية مع دول الجوار، وخاصة مع إيران، والتى تتمثل أيضا فى انتشار ظاهرة الانقسامات العربية الداخلية على خلفيات عنصرية ودينية ومذهبية، والتى يحجب حقيقة خطرها غبار حركات التغيير التى تهب على العالم العربى مغربا ومشرقا.

 

فكما وجد هتلر الفرصة السانحة داخليا وخارجيا للانقضاض على بولندا، كذلك يجد نتنياهو الفرصة سانحة داخليا بصعود الأصولية اليهودية وتراجع الصهيونية العلمانية، وخارجيا بالتشرذم العربى وتشتت القرار الموحد.. للانقضاض على القدس.

 

يشعر نتنياهو بأن اسرائيل تتمتع الآن بفائض من القوة العسكرية. فالصناعة العسكرية الإسرائيلية حققت انجازات كبيرة على صعيد انتاج القنابل الذكية والصواريخ التى تحمل رءوسا نووية. وكذلك على صعيد فن القتال عن بُعد بواسطة التوجيه الإلكترونى. فهى تملك قوات جوية تصنف على انها الرابعة فى العالم (بعد القوات الأمريكية والروسية والصينية). كما انها تملك اسطولا بحريا معززا بالغواصات الألمانية الصنع، تنتشر قطعه فى مياه شرق البحر المتوسط وشمال البحر الأحمر. وهو ما عمل عليه هتلر قبل غزو بولندا. وهذا الشعور بفائض القوة يولد الشعور بفائض الثقة بالنفس الذى يشكل بدوره الحافز على شن الحرب.

 

بعض الحسابات الخاطئة تستدرج أصحابها إلى الحرب كما حدث مع مصر فى عام 1967. ولكن إسرائيل بقوتها العسكرية الذاتية، وبحالة الضعف التى تمر بها الدول العربية، لا تعتقد أنها تواجه خطأ فى حساباتها. بل إن كل المظاهر الخارجية تعزز لديها الشعور بأن الفرصة متاحة للإقدام على مثل ما أقدم عليه هتلر عندما احتل بولندا!

 

فى ذلك الوقت من عام 1939 ارتفعت أصوات ألمانية تنبه وتحذر. وقد تعرض أصحابها إلى الإدانة وإلى الاتهام باللا وطنية، مما حمل الكثيرين منهم على الهجرة إلى بريطانيا وحتى إلى الولايات المتحدة. وكان من بين المهاجرين علماء شكلوا النواة الأولى للصناعة النووية والصاروخية فى الولايات المتحدة.

 

●●●

 

واليوم ترتفع أصوات اسرائيلية تنبه وتحذر أيضا، ومن بينهم مجموعة المؤرخين اليهود الجدد. وعلى سبيل المثال، صدر أخيرا كتاب لواحد منهم هو المؤرخ غيرشوم غورنبرغ وعنوانه: تآكل إسرائيل The Unmaking of Israel. وفى هذا الكتاب يحذر غورنبرغ من ان اسرائيل تلغى ذاتها بذاتها من خلال السياسة التى تتبعها. وأنه كيهودى إسرائيلى إذ يحذر من خطورة هذه السياسة، ينطلق فى دفاعه عن اسرائيل إلى التأكيد على وجوب تحقيق الأمور الثلاثة الآتية:

 

أولا: وقف بناء المستوطنات اليهودية وانهاء الاحتلال الاسرائيلى للأراضى الفلسطينية وإيجاد سبيل لتسوية سلمية على أساس تقاسم الأرض الواقعة بين البحر (المتوسط) والنهر (الأردن).

 

ثانيا: الفصل بين الدولة والكنيس، خاصة بعد استقواء الحركة الدينية اليهودية حتى فى عملية اتخاذ القرارات السياسية.

 

ثالثا: التحول من العنصرية إلى الديمقراطية بحيث يتمتع كل المواطنين بحقوق متساوية.

 

ويبرر غورنبرغ وضع كتابه الجرىء الجديد بأنه خائف على اسرائيل التى بسياستها الحالية تلغى ذاتها بذاتها. ولعله رأى بعين المؤرخ إلى أين تقود السياسة العنصرية إسرائيل وإلى أين سيجرها الشعور بفائض القوة العسكرية وبفائض الثقة بالنفس.. وبفائض التطرف العنصرى الذى يتمتع به نتنياهو بتحالفه مع رئيس حزب كاديما شاءول موفاز، وإلى يمينه وزير خارجيته ليبرمان!

 

●●●

 

لقد مر على إعلان اسرائيل 64 عاما عاش الشرق الأوسط طوالها هدنات بين حروب. ربما يشعر نتنياهو الآن أن الوقت مناسب لشن حرب يعتقد أنها يمكن أن تنهى كل الحروب تماما كما شعر هتلر من قبل. ولكن ماذا كانت النتيجة؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved