التمييز الصامت
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 13 مايو 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
هل المشكلة فى تصريح مستفز أم فى ممارسة جارحة؟
أثارت تصريحات المستشار محفوظ صابر وزير العدل عاصفة من الانتقادات، فى محلها، لأنها نكأت جرحا غائرا فى نفوس المصريين اسمه «العدالة الاجتماعية»، عندما صرح بأن ابن عامل النظافة نشأ فى بيئة فقيرة لا تؤهله لتقلد وظيفة قضائية.
بالمناسبة فإننى، على عكس كثيرين، أرى فى ذلك اعترافا مهما بممارسات مؤسسية عرفية لا سند لها فى دستور أو قانون تجرى منذ فترة طويلة فى العديد من مؤسسات الدولة، وليس فقط القضاء، ولكن دون تصريح، والذين انتفضوا لهذا التصريح يعلمون بهذه الممارسة، وكلنا نتذكر زميلنا خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذى ــ للأسف ــ يأس من حياته، وانتحر، لأنه استبعد من وظيفة فى إحدى هذه المؤسسات تحت زعم أنه «غير لائق اجتماعيا»، فما قاله وزير العدل معروف، ويمارس منذ عقود، استفحل فى عهد مبارك، الجديد فى الأمر أن مسئولا فى الحكومة صرح به، مما جعل الناس تنتفض لصدمة الحديث أكثر من هول الممارسة.
المشكلة أن تصريح وزير العدل، الكاشف عن ممارسة متوارثة فى العديد من مؤسسات الدولة، يؤكد ما نقوله فى مجال البحث الاجتماعى من أن الفقر يورث تماما مثل الأموال والأطيان والعقارات، ويمثل دائرة مفرغة لا يخرج أحد من براثنها، وما نتحدث عنه تحت مسمى «الحراك الاجتماعى» أى الانتقال عبر السلم الاجتماعى من أسفل إلى أعلى بفعل مؤشرات التحضر، التى يأتى التعليم فى مقدمتها، حديث نظرى غير مفعل، بل على العكس، لم يعد للتعليم المقدرة على إحداث نقلات اجتماعية كبرى فى حياة الشخص.
مجتمع خرج يطالب بالعدالة الاجتماعية، لكن كل شىء فيه يدعو إلى التمييز الاجتماعى. الفقر يورث، والنظرة الاجتماعية السلبية تورث، وحديث المفاضلة على أساس الحسب والنسب يورث، خاصة فى ضوء التفاوت الاجتماعى الحاد، وما حدث للنظام الاجتماعى من تداعى بفعل المال الذى وضع فى أيدى أشخاص نتيجة المضاربات، والصفقات، وتسقيع الأراضى، وليس اقتصاد القيمة المضافة الذى هو عنوان أى اقتصاد منتج.
المسألة هى المال، وليس غيره. لو أن شخصا ليس ذا أصل اجتماعى عريق، امتلك المال، وصار من وجهاء القوم ــ وهم كثر بالمناسبة ــ إلا يكون ذلك فى ذاته شفرة عبور أبنائه إلى مؤسسات «مهمة» فى الدولة، بمجرد أن المال يمحو الأصل الاجتماعى المتواضع، ويخلق أصلا اجتماعيا جديدا يعيد من خلاله الشخص قراءة ماضيه، وفرض نمط حياته على الحاضر.
استقال وزير العدل أو أقيل، لا يهم، المهم هو أن الحكومة شعرت بأنه صار عبئا عليها، يهدد مصداقيتها، ولم يعد هناك محل لتصريحات تستفز الرأى العام، وتقلب عليه مواجع العدالة الاجتماعية الجريحة فى المجتمع، ولكن الأهم فى رأيى ليس تغيير الشخص فقط، ولكن التأكد من تجفيف منابع التمييز الاجتماعى، وهى مسئولية مهمة، لا تخص الحكومة وحدها، ولكن كل مؤسسات المجتمع، حتى لا نخدر أنفسنا بتغيير شخص الوزير الذى لم يفعل سوى الكشف عن ممارسات مؤسسية متوارثة، وننسى أن البوح بها ليس المشكلة، ولكن الأزمة فى الصمت عليها.