فلاح تحت التمرين
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 13 مايو 2021 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
مطلع نوفمبر الماضى وبسبب بعض الخلافات البسيطة مع مستأجرى الأرض الزراعية، قررت أن أخوض التجربة وأزرع قطعة الأرض الزراعية المختلف على تأجيرها بلا وسطاء، وذلك بدلا من انتظار من يؤجرها، وقد لا يأتى. وفى بلادنا من العيب جدا أن تترك الأرض الزراعية وسط الجيران وهى فى حالة بوار.
المهم إننى بعد أن كانت الأرض معدة للزراعة، ومساحتها 39 قيراطا فى زمام شبرا بخوم بقويسنا، قمت بسؤال أكثر من صديق من المستأجرين عن خطوات زراعة القمح، فعلمت أن الأرض تروى أولا ثم ترش بالسوبر، ثم تنثر حبوب القمح المخصصة، وهو قمح أكثار معتمد من وزارة الزراعة، وليس قمحا عاديا، بعدها تم رى الأرض أربع مرات أخرى على مدى الأشهر السبع التالية، وخلال تلك الفترة تم رش 8 (شكاير) من الكيماوى عالى الجودة. كل ما سبق من خطوات اعتمدت فيه على الأصدقاء والأقارب، وكان بعضهم يقوم بذلك متطوعا وأغلبهم كان يقوم بذلك بمقابل أجر معقول. وعامة، فقد خضت التجربة وكنت مقلا فى النفقات، وفى نفس الوقت منفذا لكل توصيات الجيران والأقارب، الذى ما فتئوا يراقبون الوضع بشكل أسبوعى تقريبا.
منذ أيام قليلة ذهبت بعد أن تم جمع الغلة وتحزيمها فى أربطة، واتفقت مع الدراسة التى تدرس غلال الفلاحين بالمكان، وقمت فى ذات اليوم ببيع الغلة بسعر 710 جنيهات للإردب، وبيع التبن المتبقى من مخلفات دريس القمح بسعر 45 جنيها للأردب.
بعد كل ما سبق جلست وكنت أسجل كل جنيه صرف من بداية الموسم الزراعى الشتوى، وحسبت النفقات والإيرادات ووجدت نفسى قد خسرت بعد حساب نفقات إيجار الأرض الزراعية وهو 300 جنية للقيراط فى موسم القمح، وكان مبلغ الخسارة نحو 3200 جنيه.
سألت جيرانى فى الأرض وكنت قد حصدت نحو 11.5 أردب للقيراط (الأردب 155كجم)، فوجدتهم رغم وجودهم فى المكان بشكل دائم على عكس وضعى، ورغم خبرتهم الكبيرة، إلا أن الفرق بينى وبينهم غير مغرى للزراعة على الإطلاق، إذ تراوح انتاج الفدان لديهم من 11ــ16 أردب، وهو فى جميع الأحوال كم لا يقارن بالنفقات الكبيرة التى تكبدوها.
ما رغبت فى توصيله مما سبق، هو أن عملية زراعة الأرض عملية مكلفة للغاية، وخروج الفلاح من تلك العملية رابحا هو ضربا من الحظ، وهو أمر لا يعتمد على نوع السلعة قدر ما يعتمد على حسن سوقها. بعبارة أخرى، فإن هناك سلعا معينة يحتاجها السوق بشغف اليوم، وقد لا يحتاجها فى الموسم التالى، وعلى المزارع أن يلعب لعبة الحظ. وإذا ما أضيف إلى ذلك العامل البيئى كسوء الطقس وشدة الريح، أو العامل البيولوجى المتصل بأمراض النباتات الطارئة كالدودة والمن والبق والنيماتودا وغيرها وغيرها من الأمراض غير الدورية وغير المتوقعة أو المنتظرة، لاستكملت القصة واتضحت أسباب الخسائر.
واحد من أسباب ارتفاع تكلفة الزراعة فى مصر، هو المغالاة فى أسعار تأجير الأرض، وهى تزيد كل عام عما سبق، بمعدل مضطرد، ناتج عن شح الأرض الصالحة للزراعة، وكثرة الطلب عليها. لذلك وجدتنى هذا العام، وبعد تلك التجربة الخاسرة، أقوم بتثبيت سعر إيجار الفدان بنفس قيمة إيجار العام الماضى، وهو 9600 جنيه، وهو أمر على أى حال قليل بالنسبة لمحافظات أخرى كالدقهلية التى يصل فيها هذا السعر على 13000 جنيه للفدان. لذلك كله من المهم التوسع فى استصلاح المزيد من الأرض، حتى لا يتكالب الناس على قطع صغيرة وفى مناطق محددة فترتفع الأسعار. وهذا الأمر على أية حال، مرتبط ومقيد بأمور أخرى متصلة بموارد المياه الشحيحة أصلا.
الأمر الثانى المطلوب هو دعم الفلاح من خلال دعم مستلزمات الانتاج من بذور وأسعار توريد للأسمدة وأسعار الحاصلات الزراعية خاصة الاستراتيجية منها، والتى تقوم الدولة بشرائها من الفلاح، وهى تحديدا ثلاثة سلع هى القمح والقطن والقصب. عملية الدعم أنفة الذكر تفضى إلى الاستغناء عن الخارج، خاصة فى سلعة استراتيجية كالقمح، ومصر أكبر دولة فى العالم تستورده.
الأمر الأخير المطلوب، هو رفع الأعباء عن الفلاح فيما يخص تسويق السلع غير الاستراتيجية، كفتح الأسواق وتسهيل النقل، واتخاذ جميع الوسائل والطرق لمنع استغلال الفلاح من قبل تجار الجملة.