دعوة للاهتمام بالنيل الأبيض
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الخميس 13 مايو 2021 - 11:50 م
بتوقيت القاهرة
لماذا تجاهلنا النيل الأبيض كل هذه السنوات وهو أصل نهر النيل الذى كان اكتشاف منابعه عام 1871 على يد المستكشف البريطانى ليفينجستون حدثا جغرافيا وتاريخيا كبيرا، والنيل الأبيض يدخل جنوب السودان بتدفق كبير لا يقل كثيرا عن النيل الأزرق قادما من أوغندا حيث توجد منابعه الرئيسية فى بحيرة فيكتوريا ثم يتوه فى مستنقعات جنوب السودان ومنطقة السدود فلا يصل منه إلى الخرطوم إلا 13 مليار متر مكعب من أصل 43 مليار (وفقا للدكتور نادر نورالدين أستاذ الموارد المائية) أى أنه يفقد 30 مليار متر مكعب فى منطقة السدود. فقد ابتلى هذا النهر العظيم بسرطان اسمه ورد النيل؛ وهو النبات الشيطانى الذى شبهه الدكتور محمد المخزنجى بسرطان الأجسام البشرية حيث يتكاثر بشراهة وبدون غاية، فالنبتة الواحدة تعطى قرابة الألف فسيلة. ووفقا لمصادر عديدة فإن الذى جلبه هو الخديوى توفيق وزرعه فى البداية فى قصوره ثم أشير عليه أن يزرعه فى النهر فى جنوب السودان بغرض استخراج العطور دون ما حاجة إلى أرض أو رى.. فكانت النتيجة أن أدى التكاثر الشيطانى على سطح النهر وامتداد جذوره إلى الأعماق أن أعاق تدفق المياه، ففاض النهر على الجانبين وتمدد إلى مساحات شاسعة وأصبح شبيها بالمستنقعات.
***
أذكر عندما التحقت بوزارة الخارجية عام 1960 أن وقع نظرى على ملف ضخم بعنوان قناة «جونجلى»، وتبين لى أن مصر تساهم فى حفر قناة موازية لمجرى النيل الأبيض فى منطقة السدود هذه التفافا على المجرى الأصلى الذى يكاد ورد النيل يسد مجراه.. أى BY Pass لتجنب الشريان المسدود. وعلمت أنه قد نفذ من المشروع نحو 70% ولم يبق إلا نحو 100 كيلو متر من إجمالى طول القناة البالغ 360 كيلو متر.. ثم توقف المشروع الذى كان سيوفر لمصر زيادة قدرها 7% من إيراد المياه الذى يصل إلينا بسبب اندلاع الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه.
***
ووفقا لموسوعة ويكيبيديا فإن فكرة شق هذه القناة بدأت باقتراح من وكيل وزارة الرى المصرية وهو الإنجليزى ويليام جارستين عام 1907، الذى قدم اقتراحا مفصلا عن المشروع وفوائده لمصر وإنه سيؤدى إلى توفير المياه اللازمة لزيادة الرقعة الزراعية بمقدار اثنين مليون فدان، إلا أن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تنظر فى المشروع وتعتمده إلا عام 1946، ووضعت الخطط العملية للتنفيذ فى الفترة من 1954 إلى 1959 وبدأ التنفيذ بالفعل عام 1978. ثم توقفت لاندلاع الحرب الأهلية كما أسلفنا ولازالت معدات الحفر العملاقة المملوكة لمصر ملقاة فى الموقع يعلوها الصدأ.
***
وفى عام 2008 اتفقت الحكومة المصرية مع السودان على استئناف المشروع لاستكمال حفر القناة، إلا أن استقلال الجنوب عام 2011 أوجد وضعا جديدا يتطلب عقد اتفاق جديد مع حكومة الجنوب.. وفى ضوء العلاقة الممتازة التى تربطنا بجنوب السودان فإننى أدعو إلى إعادة الاهتمام بهذا المشروع وجعله على قمة أولوياتنا... ولن يعوز المفاوض المصرى أن يقدم للإخوة فى الجنوب عرضا مغريا يصعب رفضه يحقق فوائد للدول الثلاث؛ مصر والسودان وجنوب السودان.
لقد تم حفر 240 كيلومترا من المشروع ولم يتبق إلا 100 كم، أى أكثر قليلا من تفريعة قناة السويس الجديدة البالغ طولها 72 كم والتى تم إنجازها فى عام واحد.. ولا شك أننا اكتسبنا مهارات فائقة فى مجال شق القنوات فى السنوات الأخيرة وأصبح لدينا معدات حديثة عملاقة، فلماذا لا نوجه هذه القدرات والمهارات والإمكانيات إلى هذا الأمر الذى لا يكاد يفوقه شىء آخر فى الأهمية والإلحاح.
إنها مجرد تساؤلات من شخص عادى.. مواطن مصرى تجرى مياه النيل فى عروقه مجرى الدم وقد هاله ما يتعرض له النهر العظيم من هوان وتطاول وامتهان.. وأتمنى أن يطرح موضوع النيل الأبيض بقوة على مستوى صناع القرار، ليس من خلال قناة جونجلى فحسب بل من منظور كيفية استعادة الهدر المهول للمياه فى منطقة السدود بأسرها حتى نخرج من ربقة التحكم الذى تفرضه علينا إثيوبيا.