جشع شركات الأدوية الكبرى يطيل أمد الوباء..
العالم يفكر
آخر تحديث:
الخميس 13 مايو 2021 - 11:38 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جوزيف إستيجليتز والكاتبة لورى والاش، يقولان فيه أنه لسد النقص فى إنتاج لقاحات كوفيدــ19، لابد من منح الشركات المصنعة فى جميع أنحاء العالم إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة اللازمتين لإنتاج اللقاحات، محاولين فى مقالهما دحض حجج شركات الأدوية الكبرى لعرقلة تنازل منظمة التجارة العالمية عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات كوفيدــ19... نعرض منه ما يلى:
الطريقة الوحيدة لإنهاء جائحة كوفيدــ19 هى تحصين عدد كافٍ من الناس فى جميع أنحاء العالم. فشعار «لا أحد فى أمان حتى نكون جميعا فى أمان» يجسد الواقع الوبائى الذى نواجهه. ويمكن أن يؤدى تفشى الوباء إلى ظهور متغير SARSــCoVــ2 المقاوم للقاحات، مما يجبرنا جميعا على العودة إلى الإغلاق.
لن تقف الولايات المتحدة بعد الآن فى طريق التنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات كوفيدــ19، لكن المعركة لا تنتهى عند هذا الحد. فكلما طالت مقاومة تبادل المعرفة والتكنولوجيا اللازمتين لتصنيع اللقاحات، زاد الخطر الذى يمثله ظهور متغيرات جديدة مقاومة للقاحات.
والأسوأ من ذلك، أن إنتاج اللقاح حاليا لا يتعدى 10ــ15 مليار جرعة. وبهذا المعدل، سيظل مئات الملايين من الأشخاص فى البلدان النامية غير محصنين على الأقل حتى عام 2023.
ومن ثم، فمن الأخبار العظيمة أن إدارة الرئيس بايدن أعلنت أنها ستنضم إلى 100 دولة أخرى تسعى للحصول على تنازل طارئ عن الملكية الفكرية المرتبطة بلقاحات كوفيدــ19 والتى مكنت من احتكار اللقاحات. فإزالة هذه الحواجز من شأنها أن تخلق اليقين القانونى الذى تحتاجه الحكومات والشركات المصنعة فى جميع أنحاء العالم لتوسيع نطاق إنتاج اللقاحات والعلاجات.
***
ترجع ندرة لقاحات كوفيدــ19 فى جميع أنحاء العالم إلى جهود الشركات المصنعة لللقاحات للحفاظ على سيطرتها الاحتكارية وأرباحها. فشركتا «فايزر» و«مديرنا» رفضتا الاستجابة لطلبات عديدة من قبل شركات الأدوية المؤهلة لتصنيع اللقاحات، ولم تشاركا مُنشئ لقاح واحد تقنياتهما خاصة فى البلدان الفقيرة.
تعهدت الشركتان أخيرا بإعطاء جرعات اللقاح إلى مرفق كوفاكس المعنى بالإتاحة العادلة للقاحات، ومن ثم توفيرها للسكان الأكثر تعرضا للخطر فى البلدان الفقيرة. قد تخفف هذه الوعود من شعور شركات الأدوية بالذنب، لكنها لن تسد حاجة العالم للقاحات.
ككيانات هادفة للربح، تركز شركات الأدوية فى المقام الأول على الأرباح، وليس الصحة العالمية. هدفهم بسيط: الحفاظ على أكبر قدر ممكن من القوة السوقية لأطول فترة ممكنة من أجل تعظيم الأرباح. وفى ظل هذه الظروف، يتعين على الحكومات التدخل بشكل مباشر لحل مشكلة احتكار اللقاح.
فى الأسابيع الأخيرة، اجتاحت جحافل من جماعات الضغط الطبية واشنطن للضغط على القادة السياسيين لعرقلة تنازل منظمة التجارة العالمية عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات كوفيدــ19!. كانت شركات الأدوية تعتمد على عدد من الادعاءات؛ 1) تجادل الشركات بأن التنازل سيكون غير فعال، لأن الشركات المصنعة فى البلدان النامية تفتقر إلى الوسائل اللازمة لإنتاج اللقاح. 2) الشركات تصر على عدم الحاجة إلى التنازل، لأن إطار منظمة التجارة العالمية الحالى مرن بدرجة كافية للسماح بالوصول إلى التكنولوجيا. 3) تحذيرات من أن التنازل سيقوض حوافز البحث، ويقلل من أرباح الشركات الغربية، وهذا بدوره سيساعد الصين وروسيا على هزيمة الغرب جيوسياسيا!
بداية يبدو أن التنازل سيحدث فرقا حقيقيا. لهذا السبب تعارضه شركات الأدوية بشدة. «السوق» يؤكد هذه الحجة، كما يتضح من الانخفاض الحاد فى أسعار أسهم الشركات الرئيسية المصنعة لللقاحات بعد إعلان إدارة بايدن أنها ستدخل فى مفاوضات التنازل. مع التنازل، سيتم طرح المزيد من اللقاحات عبر الإنترنت، وستنخفض الأسعار، وكذلك الأرباح.
ولدحض حجج وادعاءات شركات الأدوية نقول الآتي؛ بالنسبة للادعاء الأول القائل بأن التنازل سيكون غير فعال، لأن الشركات المصنعة فى البلدان النامية تفتقر إلى الوسائل اللازمة لإنتاج اللقاح: فإنه بعد سنوات من الحملات العنيفة وملايين الوفيات بسبب وباء فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وافقت دول منظمة التجارة العالمية على الحاجة إلى ترخيص الملكية الفكرية الإلزامى (تسمح الحكومات للشركات المحلية بإنتاج منتج دوائى حاصل على براءة اختراع دون موافقة مالك براءة الاختراع) لضمان الوصول إلى الأدوية. لكن شركات الأدوية لم تتخل أبدا عن بذل كل ما فى وسعها لتقويض هذا المبدأ.
إن الحجة القائلة بأن البلدان النامية تفتقر إلى المهارات اللازمة لتصنيع لقاحات كوفيدــ19 على أساس التقنيات الجديدة هى حجة زائفة. فعندما اتفقت شركات تصنيع اللقاحات فى الولايات المتحدة وأوروبا على إقامة شراكات مع شركات أجنبية، مثل معهد مصل الهند (أكبر منتج للقاحات فى العالم) وأسبن فارماكير فى جنوب إفريقيا، لم تواجه هذه المنظمات مشاكل تصنيع ملحوظة. وهناك العديد من الشركات والمنظمات حول العالم التى لديها نفس الإمكانات للمساعدة فى تعزيز إمداد اللقاح؛ فقط يحتاجون إلى الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة.
من جانبه، حدد تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة نحو 250 شركة يمكنها تصنيع اللقاحات. كما أن مندوب جنوب إفريقيا فى منظمة التجارة العالمية أشار أخيرا:
«تتمتع البلدان النامية بقدرات علمية وتقنية متقدمة. يعود سبب النقص فى إنتاج وتوريد اللقاحات إلى أصحاب الحقوق أنفسهم الذين يدخلون فى اتفاقيات تقييدية تخدم أغراضهم الاحتكارية الضيقة ويضعون الأرباح قبل الحياة».
أما الادعاء الثانى القائل بعدم الحاجة إلى التنازل فى ضوء «المرونة» الحالية لمنظمة التجارة العالمية وأن الشركات فى البلدان النامية لم تسعَ أصلا للحصول على تراخيص إلزامية. يمكننا دحضه بقول أن هذا النقص فى توافر اللقاحات يعكس حقيقة أن شركات الأدوية الغربية بذلت كل ما فى وسعها لخلق غابة قانونية من براءات الاختراع وحقوق النشر والتصميم الصناعى الخاص والأسرار التجارية التى قد لا تغطيها المرونة الحالية. وبالنظر إلى أن اللقاحات تحتوى على أكثر من 100 مكون فى جميع أنحاء العالم، يتمتع العديد منها بشكل ما من أشكال حماية الملكية الفكرية، مما يجعل تنسيق التراخيص الإلزامية بين البلدان مستحيلا.
عامل آخر فى نقص إمدادات اللقاح هو الخوف، سواء على مستوى الشركات أو على المستوى الوطنى. فالعديد من الدول تشعر بالقلق من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى قد يقطعان المساعدات أو يفرضان عقوبات إذا أصدروا تراخيص إلزامية. لكن مع وجود تنازل من منظمة التجارة العالمية، ستكون هذه الحكومات والشركات بمعزل عن دعاوى الشركات، والأوامر، والتحديات الأخرى.
وبخصوص الحجة الثالثة التى تقدمها شركات الأدوية الكبرى بأن التنازل عن الملكية الفكرية من شأنه أن يقلل الأرباح ويثبط البحث والتطوير فى المستقبل نقول أنهما ادعاءان خاطئان. فتنازل منظمة التجارة العالمية لن يؤدى إلى إلغاء المتطلبات القانونية الوطنية التى تقضى بدفع أموال لأصحاب الملكية الفكرية أو غيرها من أشكال التعويض.
ومن ثم، وحتى مع وجود تنازل من منظمة التجارة العالمية، فإن الشركات المصنعة لللقاحات ستكون قادرة على جنى أموال طائلة. ومن المتوقع أن تصل عائدات لقاح كوفيدــ19 لشركة فايزر ومديرنا فى عام 2021 فقط إلى 15 مليار دولار و18.4 مليار دولار. ولنكن واضحين: لا تكمن مشكلة صناعة الأدوية فى حرمان شركات الأدوية من الحصول على عائدات عالية لكنها ستفقد فقط الأرباح الاحتكارية.
أخيرا، وبعد دحض جميع الادعاءات الأخرى، يكون الحجة الأخيرة لشركات صناعة اللقاحات هى القول بأن التنازل من شأنه أن يساعد الصين وروسيا على الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية. لكن هذا كذب أيضا، فاللقاحات ليست من صنع الولايات المتحدة فى المقام الأول، والبحث التعاونى يجرى عبر البلاد من خلال تكنولوجيا ميرنا وتطبيقاته الطبية منذ عقود.
علاوة على ذلك، فإن تقنية ميرنا التى تنتجها شركة فايزر هى فى الأصل مملوكة لشركة بيونتيك (شركة ألمانية أسسها مهاجر تركى وزوجته)، والتى منحت بالفعل الشركة الصينية فوسن فارما ترخيصا لتصنيع لقاحها. إلى جانب ذلك، فإن الصين فى طريقها لتطوير وإنتاج لقاحاتها الخاصة بها.
بالنسبة لمن يركز على القضايا الجيوسياسية، يجب أن يكون مصدر القلق الأكبر هو فشل أمريكا حتى الآن فى الانخراط فى دبلوماسية كوفيدــ19 البناءة. كما أن الولايات المتحدة تمنع حتى تصدير اللقاحات التى لا تستخدمها. فى غضون ذلك، لم تكتف روسيا والصين بتوفير لقاحاتهما؛ بل شاركا فى نقل التكنولوجيا والمعرفة بشكل كبير، وأقاما شراكات حول العالم، وساعدا فى تسريع جهود التلقيح العالمية.
***
ختاما، مع استمرار وصول الإصابات اليومية إلى مستويات عالية جديدة فى بعض أنحاء العالم، فإن فرصة ظهور متغيرات جديدة خطيرة تشكل خطرا متزايدا علينا جميعا. سوف يتذكر العالم أى الدول ساعدت، وأى الدول وضعت عقبات خلال هذه اللحظة الحرجة.
لقاحات كوفيدــ19 تم تطويرها من قبل علماء من جميع أنحاء العالم، وذلك بفضل العلوم الأساسية التى تدعمها العديد من الحكومات. ويجب أن تجنى شعوب العالم الفوائد، فهذه مسألة أخلاقية. لذلك يجب ألا ندع شركات الأدوية تضع الأرباح قبل الأرواح.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى