خواطر ومتابعات صيفية

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 13 يونيو 2010 - 12:24 م بتوقيت القاهرة

  من برلين أحضرت ولدي لؤي (6 سنوات) ونوح (3 سنوات) إلى مصر لزيارة الأهل والتعرف على القاهرة. أن ترى العاصمة المصرية بعيون طفلين يعيشان في دولة أوروبية غنية هي ممارسة ممتعة ومؤلمة في ذات الأن وتلقي في جميع الأحوال بعضا من الضوء الكاشف على جمال المكان وسكانه وكذلك تناقضات ومنغصات حياتهم اليومية.

وسأسرد فيما يلي مختارات من مشاهدات لؤي ونوح وأسئلتهما مع إيضاحات مقتضبة مني، فحديث الأطفال مباشر ولغتهم إن التقريرية أو الاستفهامية لا تستدعي من الشرح أو التأويل الكثير: الناس هنا يتكلمون بسرعة فائقة ويبتسمون باستمرار، لماذا يتجول باعة من الأطفال في الطرقات، للبعض قدرة رائعة على حفظ التوازن والسير بسرعة حاملين الكثير على رءوسهم (إشارة إلى بائعي الخضروات والفواكة الجائلين في شوارع القاهرة)، لماذا يوجد رجال مرور في كل مكان، الناس يفرون في الطرقات من السيارات والحافلات، لماذا يضرب البعض الأطفال، أجمل ما في القاهرة هو النيل وسيارات التاكسي...

كلاهما أسود، لماذا تغني المصاعد (إشارة إلى المصاعد التي ما أن عملت حتى تدور بداخلها تسجيلات لأدعية دينية وآيات قرأنية)، بالقاهرة بنايات مرتفعة للغاية وأخرى شديدة الانخفاض (إشارة مصدرها المرور بالمنطقة الفاصلة بين حي المهندسين الراقي وحي بولاق الدكرور الشعبي)، لماذا لا ينام أحد عندما يحل المساء.

ثمة رداءة واضحة في الجدال المستمر إلى اليوم في مصر بشأن منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية للأستاذين سيد القمني وحسن حنفي. عالجت في مقالي الماضي على هذه الصفحة (30 يوليو) نواقص حرية التعبير عن الرأي الناجمة عن سوء توظيف الدين كأداة للرقابة والمنع والتحريم والتكفير في مجالات الإبداع الأدبي والفني والإنتاج الفكري في العلوم الاجتماعية والإنسانيات.

خلال الأيام القليلة الماضية تواصلت الحملة الإعلامية لبعض الأقلام والأصوات القريبة من التيارات الدينية وبعض مدعي الدفاع عن ما يسمى وسطية الفضاء العام في مصر ضد القمني بصورة خاصة وتطورت من تكفيره إلى إتهامه بتزوير درجة الدكتوراة والتهديد "بجرجرته إلى المحاكم" والتقليل من قيمة إنتاجه العلمي وتحميل علمانيي وزارة الثقافة المصرية وزر خطيئة منحه الجائزة ومطالبة الوزارة بسحبها والاعتذار من عموم المصريين.

الرديء في الجدال الدائر هو من جهة أولى غلبة الطبيعة الإلهائية، فلا نقاش حقيقي لأفكار القمني وطروحاته، فقط سيل من الإتهامات الشخصية والمهنية ضده والتعريض به تارة باسم الدين وتارة باسم الوسطية والقيم الأصيلة. من جهة ثانية، يبدو أن تعددية الساحة الإعلامية المصرية تتسم بالمحدودية الشديدة، فهي تقتصر على اختلاف وتنوع المواقف من شئون السياسة والمجتمع بين نخبة الحكم والمعارضات الحزبية وغير الحزبية ولا تمتد بأي حال من الأحوال إلى الأمور الخلافية التي يتقاطع بها الديني مع قضايا تمس حرية التعبير عن الرأي.

هنا تصتف أغلبية كاسحة مع الرقابة والمنع والتحريم والتكفير وتتحرك بقوة الإجماع العام كوحش كاسر يلتهم من يوظف صوته أو قلمه دفاعا عن الحرية. من جهة ثالثة، يبين تلويح البعض بإمكانية مقاضاة القمني وعدم الاكتفاء بالحملة الإعلامية إن بتحريك دعوة حسبة ضده أو على خلفية إتهامه بتزوير درجة الدكتوراة أن مع غياب التسامح وقبول الرأي الآخر والارتضاء بالإدارة السلمية للاختلاف تهيمن ثقافة إنزال العقاب والتهديد به على الفضاء العام وتوظف بقسوة لقمع من يخرج عن الإجماع العام.

يمكن مقاربة الزوبعة التي أثارتها كلمات وليد جنبلاط الأخيرة وكذلك عاصفة الاستهجان التي قوبلت بها محاولته تغيير موضعه في المشهد السياسي اللبناني بعد الانتخابات النيابية الأخيرة على أنهما يقدمان دليلا واضحا على غياب السياسة بمعناها البرجماتي عن النقاش العام في لبنان وحضورها فقط بمضامينها الكليانية التي تصيغها خطابات الثوابت وثنائيات المع والضد الحدية.

يتهم جنبلاط بأنه كثيرا ما يغير مواقفه وتحالفاته في الداخل وفقا لقراءته للمعطيات الإقليمية والدولية، يتهم أيضا بأنه وهو الممثل لأقلية صغيرة العدد عظيمة النفوذ في ماضي لبنان غير البعيد يغلب مقتضيات الديموغرافيا والجغرافيا على اعتبارات التنسيق السياسي مع حلفاء المرحلة، يتهم البك بخروج ممارسته للنقد والتصحيح الذاتي لمواقفه وسياساته عن حدود المقبول نظرا لبعد هذه الممارسة اليوم عن ما أعلنه سالفا ثوابت لفعله لن يحيد عنها. والحقيقة أن كل ما يتهم به جنبلاط، وعلى ما يسببه من إحباط لبعض حلفائه وما يرتبه من إرباك في المشهد اللبناني، هو إن نظر له بروية وهدوء لا يعدو أن يكون في صلب ممارسة السياسة بمعناها البرجماتي وتعبيرا عن هدفها الأسمى كسعي مستمر للدفاع عن وجود ومصالح جماعات ومجموعات بعينها دوما ما تتغير الظروف المحيطة بها وتؤثر من ثم على توجهاتها وخطوط حركتها.

تحسن الدبلوماسية العربية برفض الإقدام على خطوات تطبيعية بإتجاه إسرائيل لمجرد إقناع حكومة اليمين بتجميد النشاط الاستيطاني أو لإرضاء الراعي الأمريكي الراغب في تسجيل تقدم سريع على الأرض. فالحكومة الإسرائيلية متطرفة وغير راغبة في السلام والعرب لم يعد لديهم من الأوراق الجماعية سوى الربط بين انفتاحهم على إسرائيل وبين إعادة ما تبقى من الأراضي العربية المحتلة في 1967 وقبول قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة كشرط للسلام في الشرق الأوسط.

وفي مطالبة إدارة أوباما الدول العربية بتوظيف هذه الورقة فقط لحمل حكومة اليمين على تجميد الاستيطان انتقاص بين من قيمتها الإستراتيجية وتكريس لممارسة جوهرها تقديم العرب لتنازلات أحادية الجانب وتعنت ومراوغة لا ينتهيان من جانب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved