كأس العالم 2010 – بعض الهوامش
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأحد 13 يونيو 2010 - 10:20 ص
بتوقيت القاهرة
نعاني، نحن سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من احتكار قنوات الجزيرة الرياضية بث مباريات كأس العالم 2010 ومن رفعها لأسعار بطاقات الاشتراك إلى حدود غير مقبولة تتجاوز القدرة المالية لمعظمنا. يحدث هذا بينما يحظر المشرع في العديد من الدول الأوروبية على سبيل المثال على القنوات الخاصة شراء حقوق بث مباريات كأس العالم ويعطي للقنوات ذات الملكية العامة - أي الممولة من خزينة الدولة والمتاحة للمشاهدة إن دون اشتراكات أو باشتراكات رمزية - حقوق البث ضمانا لتمكين عموم المواطنين الراغبين من متابعة كأس العالم دون تمييز بين ميسورين ومحدودي الدخل.
ومنطق المشرعين الأوروبيين هنا هو أن منافسات كرة القدم على مستوى الدول، إن في كأس العالم أو في كأس الأمم الأوروبية وعلى خلاف المنافسات المحلية والقارية للأندية الأوروبية، تعد بمثابة "صالح عام" يتعين على الحكومات توفيره لجميع المواطنين وأن لهؤلاء حق أصيل في التمتع به دون قيود قد يرتبها اختلاف قدراتهم المالية. وفي هذا فهم راقي وتطبيق عملي لمبدأ المساواة بين المواطنين لجهة ضمان حقوقهم الأصيلة، وتلك لا تقتصر على التعليم والرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية، بل تمتد أيضا إلى التمتع بمنافسات كرة القدم على مستوى الدول.
أمر رائع أن تستضيف جنوب أفريقيا كأس العالم، وأن يتاح لمواطنيها فرصة تقديم وجه جنوب أفريقيا الجميل والإنساني للعالم بأسره، وجه الشعب الذي كافح طويلا للتخلص من النظام العنصري ومازال يسعى لدمج جميع الأجناس والأعراق والألوان في مجتمع حديث يحترم التعدد والتنوع ويؤسس لمواطنة الحقوق المتساوية ويواصل في ذات الوقت تطوره الاقتصادي ليصبح الاقتصاد الأهم في القارة الأفريقية.
وحسنا تفعل بعض الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية العالمية والعربية بفرد مساحة واسعة لقراءات وتقارير تتناول تاريخ جنوب أفريقيا ورمزها الناصع نيلسون مانديلا وواقعها الراهن بطموحه وعثراته. فمثل هذه القراءات والتقارير ذات جوهر تثقيفي رائع نحتاج إليه جميعا، كما أنها تبقي الوجه الإنساني لجنوب أفريقيا حاضرا على نحو يساعد متابعي كأس العالم على عدم اختزال البلد المضيف إلى صور للفقر المدقع وتجنب المبالغة في تقدير أهمية حوادث العنف الفردية التي حتما ستقع خلال الأسابيع القادمة.
- كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا هي النسخة الأولى من الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة في كل أرجاء المعمورة التي تستضيفها القارة الأفريقية ويرى بها العديد من المراقبين فرصة تاريخية لتحسين صورة القارة السمراء ولبداية جديدة بعد عقود طويلة من الحروب الأهلية والمجاعات والكوارث الصحية والبيئية. ونحن في مصر ننتمي لأفريقيا ونحتاج، كما دللت مؤخرا أزمة تقسيم مياه النيل، لاستعادة اهتمامنا بها وانفتاحنا على دولها والإسهام الفعال في دفعها للأمام وتعميق التعاون بين جنوب القارة وشمالها.
في هذا الصدد، تمثل كأس العالم 2010 سياقا مواتيا لتجديد الاهتمام الشعبي والإعلامي في مصر بأفريقيا وتذكير الرأي العام على نحو إيجابي بانتمائنا لها وتضامننا مع بقية شعوبها. لذا تعجبت كثيرا عندما بدأ الإعلام المصري يطالعنا ببيانات تأييد الرياضيين والفنانين وغيرهم للمنتخب الجزائري كممثل العرب (والمسلمين) في جنوب أفريقيا، بينما تم تجاهل منتخبات جنوب أفريقيا ونيجريا وغانا والكاميرون وساحل العاج. وتمنيت، ومازلت، أن يصدر بيان أو أكثر يعلن تضامننا مع كل المنتخبات الأفريقية، فهي جميعا تمثل القارة وشعوبها.
أمسكت حمى كأس العالم بسكان بيروت وبدلت ألوان مدينتهم على نحو ساحر. لا يخلو شارع في بيروت اليوم من أعلام الدول التي تشارك منتخباتها الوطنية في كأس العالم، وباتت المباني السكنية التي لا تتدلى من شرفاتها أعلام البرازيل وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا والأرجنتين هي الاستثناء وليس القاعدة، شأنها في ذلك شأن المحلات والمطاعم والسيارات الخاصة التي يبدع أصحابها في حمل الأعلام وإبراز ملصقات التأييد للمنتخبات المختلفة. تضفي حمى كأس العالم، أو بعبارة أدق حمى الأعلام هذه، على بيروت طابعا كوزموبوليتيا ساحرا ينحي جانبا وجودها الاعتيادي كعاصمة لبنان ويتجاوز من بوابة الولع بالساحرة المستديرة الحواجز الفاصلة بين شرقها وغربها وضاحيتها الجنوبية.
تبدو بيروت اليوم، منظورا إليها من شوارعها ومن شرفات وأسطح منازلها، أقرب ما تكون إلى مدينة تتحلل من قيود المكان والزمان لتتحول إلى موقع في جغرافية كرة القدم العالمية ترفع به كل الأعلام ويشجع به بكل اللغات. لا تغيب الذكريات الأليمة عن أحاديث البيروتيين عن بعض النسخ الماضية لكأس العالم، إن نسخة 1982 (أسبانيا) التي تخللت الاجتياح الإسرائيلي والحرب الأهلية المستعرة آنذاك أو النسخة الماضية (ألمانيا 2006) التي تلتها مباشرة حرب تموز. على الرغم من ذلك، ومن تخوف البعض من حرب إسرائيلية جديدة على لبنان بعد جنوب أفريقيا 2010، يظل الولع بكرة القدم هو الغالب ويستمر النزوع الكوزموبوليتي غير المصطنع في التصاعد يوما بعد يوم.