حول الجمعية الوطنية للتغيير

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 13 يونيو 2010 - 11:22 ص بتوقيت القاهرة

 على إيجابيته وتعبيره عن رغبة جماعية واضحة بين قطاعات واسعة من المواطنين المهمومين بما آلت إليه أوضاع المجتمع والسياسة في مصر، يثير إعلان الدكتور محمد البرادعي عن تأسيس "الجمعية الوطنية للتغيير" برئاسته وعضوية مجموعة من النشطاء للضغط على نظام الحكم "لإجراء تعديلات دستورية وتحقيق العدالة الاجتماعية" العديد من التساؤلات، حول حدود التأثير الفعلي للجمعية وكيفية إدارة التنوع بداخلها وأنماط علاقتها المحتملة بأحزاب المعارضة التي أرادت الابتعاد عنها كالوفد والتجمع والناصري.

بداية، لا شك في أن تعدد المنابر السياسية المطالبة بالتغيير في سياق نظام حكم سلطوي يعبر بالقطع عن ظاهرة إيجابية تزيد من زخم الاهتمام بالشأن العام وتخلق بيئة إعلامية تعددية يستطيع المواطن من خلالها التعرف على برامج بديلة للإصلاح والمفاضلة بينها. ومن الطبيعي والمشروع أيضا أن تتجاذب وتتباعد التحالفات والتجمعات الجديدة فيما بينها وأن يسعى كل منها بمنطق "الجبهة الوطنية الموسعة" للتشديد على أنه يمثل الإطار التنظيمي الأشمل والأكثر فعالية للتنسيق بين دعاة التغيير في مصر والضغط على نظام الحكم لتمرير التعديلات الدستورية والإصلاحات السياسية اللازمة.

إلا أن الخطر الكامن في مساعي تجميع رموز وحركات المعارضة، وهو ما دللت عليه للأسف تجارب تشكيل تحالفات وتجمعات المعارضة خلال الأعوام الماضية كالجبهة الوطنية للتغيير (أسسها الراحل الدكتور عزيز صدقي) ، والتحالف الوطني من أجل الإصلاح والتغيير (قادته جماعة الإخوان المسلمين) ، والتجمع الوطني للتحول الديمقراطي وغيرها، يتمثل من جهة في سهولة اختزال فعلها إلى مواقف علنية وبيانات إعلامية سرعان ما يخبو بريقها ومن جهة أخرى في محدودية ما تنتجه من أفكار وتصورات برامجية تهدف للحركة على الأرض وبين المواطنين لتوليد ضغط شعبي حقيقي يستطيع أن يدفع أجندة الإصلاح والديمقراطية إلى الأمام.

لا أفترض - بل ولا أتمنى - أن يكون الاختزال الإعلامي هو مصير الجمعية الوطنية للتغيير، فقط أنبه إلى التحدي الكامن هنا والذي يستدعي من أعضاء الجمعية الالتفات إلى أهمية وضع برنامج للعمل السياسي والجماهيري والشروع في تنفيذه. وحسنا فعل الدكتور البرادعي، وفقا لما ذكره بعض أعضاء الجمعية لوسائل الإعلام، بالتشديد على أولوية ربط تأسيس الجمعية بوضع "برنامج للتحرك يهدف إلى إحداث تأثير وزخم عملي في الحياة السياسية."

التحدي الثاني الذي يواجه الجمعية يرتبط بكيفية إدارة علاقاتها مع أطراف المعارضة الحزبية التي ابتعدت عنها على نحو يحول دون تعالي الاتهامات المتبادلة بينها بشرذمة المعارضة وتفتيت صفوفها ومن ثم القضاء الفعلي على فرصها في الضغط على نظام الحكم ومنازعة استئثاره بالسلطة. فأحزاب الوفد والتجمع والناصري، وعلى الرغم من وضعيتها الضعيفة اليوم وجمودها البادي، تظل حاملة لتاريخ وتراث سياسي هام – ليبرالية الوفد ووطنيته المدنية وعلمانية التجمع ودفاعه عن العدالة الاجتماعية وتبني قضايا التحرر الوطني والانتماء العروبي لمصر التي اضطلعت بها الناصرية – ينبغي الانفتاح عليه وتوظيفه في الصراع من أجل التغيير في مصر.

أما التحدي الثالث أمام الجمعية الوطنية للتغيير فذي صلة بكون رئيسها وأعضائها ينتمون لأطياف وتيارات سياسية وفكرية متعددة قاسمها المشترك هو الرغبة في دفع مصر على طريق التحول الديمقراطي، إلا أنها رؤاها للقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتباين بشدة، من يسار علماني يبحث عن دولة ديمقراطية تحيد الدين وتصنع العدالة الاجتماعية مرورا بليبراليين يؤمنون بحتمية الدمج بين الديمقراطية واقتصاد السوق الحر وانتهاء بإسلاميين يرحبون بالمنافسة وآليات الديمقراطية في الحياة السياسية ثم يرفضون منها الشيء الكثير في السياق الاجتماعي والثقافي.

يستدعي مثل هذا التباين داخل الجمعية الوطنية، من رئيسها وأعضائها، إدارة نقاش جاد وصريح يهدف إلى صياغة أجندة سياسية وبرنامج للعمل ينطلقان من التحول الديمقراطي كقاسم مشترك ولا يتحرجان من الإشارة إلى عناصر الاختلاف في الرؤى والإستراتيجيات حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المركزية.

وظني أن الصراحة والجراءة في التعاطي مع التباين والاختلاف بين أعضاء الجمعية والتيارات الممثلة بداخلها أفضل بكثير من إدعاء بالتوحد يعقبه تفرق (وهو ما حدث في تجارب الجبهات والتحالفات الوطنية الماضية) ، وأنجع كذلك من تشديد علني على كامل الاتفاق في الرؤية والإستراتيجية والبرنامج قد يتبعه اكتشاف محبط لمدى هشاشته الفعلية وبدء صراخ استنكاري لا طائل من ورائه داخل الجمعية وفي الإعلام يبحث عن "مذنب" يحمل مسئولية التفرق والتشتت.

فالثابت، وذلك هو أحد الدروس الكبرى المستفادة من تجارب التحول الديمقراطي المعاصرة والتي دلل عليها البحث السياسي المقارن بجلاء، هو أن الدفع نحو الديمقراطية في مجتمع يسيطر عليه نظام حكم سلطوي وإن تطلب صياغة توافق واضح بين أطياف المعارضة (وفي بعض الأحيان بينهم وبين إصلاحيين داخل نظام الحكم) حول كيفية إدارة الصراع ضد السلطوية، إلا أنه لا يستلزم بالضرورة التجميع في جبهات وتحالفات للمعارضة تحول اختلافاتها الداخلية دون تحركها السياسي والجماهيري الفعال.

بعبارة بديلة، لا يشكل تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير المسار الوحيد للوصول إلى أجندة توافقية للتحول الديمقراطي وإدارة الصراع مع السلطوية الحاكمة، بل قد يستحيل عاملاً سلبياً إن تغلبت الرغبة في القفز غير المدروس فوق التباينات الجوهرية في النظر إلى المجتمع والسياسة على منهج المعالجة الموضوعية الكاشفة.

لدينا في مصر خلافات حقيقية ومخاوف متبادلة بين أطياف المعارضة - حزبية وغير حزبية، رسمية وغير رسمية - لن ينتج التعتيم المستمر عليها بمنطق العدو المشترك (نظام الحكم) الاختزالي من الإيجابيات الكثير، والأفضل هو الشروع في نقاش علني حول المرتكزات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لرؤى المعارضة المتباينة وفرز لمواقفها، بجانب التشديد على الديمقراطية كقاسم مشترك. بغير عملية النقاش والفرز هذه سيتحول حديث التحول الديمقراطي إلى كتلة خطابية هلامية تفقد مصداقيتها تدريجياً من كثرة استدعائها الإعلامي ومن محدودية فعلها على الأرض.

دوما ما كان الإدعاء بوجود قناعات شعبية وتوافقات كاسحة دون نقاش عام حقيقي هو لعبة النظم السلطوية ولها في هذا المجال من الأسلحة الفتاكة ما هو أمضى وأنجع، وأحرى بجمعية وطنية للتغيير تطالب بالديمقراطية أن تنأى بنفسها عن تكرار هذا المنطق "غير الديمقراطي"، حتى وإن قلبته رأسا على عقب، وأن تقدم للمواطنين المتفائلين بتأسيسها نموذجا عمليا لممارسة التعددية والاختلاف وقبول الرأي الآخر، فتلك مكونات رئيسية للديمقراطية التي نتوق إليها جميعا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved