اتفاقات أبراهام اجتازت أول اختبار لها بنجاح

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الأحد 13 يونيو 2021 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب أنشال فوهرا، يقول فيه إن اتفاقات أبراهام اجتازت أول اختبار لها بنجاح، فى إشارة للحرب الأخيرة بين إسرائيل والشعب الفلسطينى. فهذا الصراع لم يشكل أى تهديد على الاتفاقات ولم يجبر الحكومات العربية المطبعة على تغيير سياساتها تجاه إسرائيل... نعرض منه ما يلى:
بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لإنهاء دورة العنف الأخيرة، افتتح متحف فى دبى يُدعى «مفترق طرق الحضارات» معرض مخصص لتاريخ الهولوكوست وأهوال معاداة السامية. وبعد فترة وجيزة، تحديدا فى 2 يونيو الجارى، ناقش رجال الأعمال الإسرائيليون والإماراتيون فى منتدى الاستثمار العالمى بدبى التجارة الثنائية حيث وقعت حكومتاهما معاهدة لتجنب الازدواج الضريبى، ودعت الإمارات إسرائيل لإقامة متجر فى منطقة التجارة الحرة.
وعلى الرغم من أن استخدام إسرائيل غير المتكافئ للقوة ضد الشعب الفلسطينى أزعج شركاءها العرب الجدد، إلا أن ذلك لم يكن كافيا للتشكيك فى تطبيع العلاقات التى خلقتها اتفاقات أبراهام المبرمة العام الماضى. فتلك الصفقات الدبلوماسية ضخت مليارات الدولارات فى النشاط الاقتصادى وعززت الأمن القومى لإسرائيل والدول العربية الأربع المعنية وبدا أن أيا من هذه الدول الأربع لم تكن على استعداد للتضحية بهذه المكاسب. فحتى خلال الحرب التى أسفرت عن مقتل حوالى 250 فلسطينيًا وفلسطينية، بينهم 66 طفلا وطفلة، كانت هذه الحرب اختبارًا مبكرًا للاتفاقات القائلة بأن السلام فى الشرق الأوسط لن يتحقق مقابل الأرض ولكن من خلال الأعمال التجارية والحماية المتبادلة ضد الأعداء المشتركين (إيران).
كذلك ورغم تدفق المشاعر المؤيدة للشعب الفلسطينى على وسائل التواصل الاجتماعى فى دول اتفاقات أبراهام، إلا أنه كانت هناك مؤشرات قليلة على الغضب فى الشوارع. حيث لم يقترب الغضب من زعزعة الحكومات أو إجبارها على تغيير سياستها تجاه الكيان الصهيونى.
•••
كشفت الاشتباكات الأخيرة كيف أن الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص ليس لديها نفوذ يذكر على إسرائيل. بل على العكس أحرجت إسرائيل الإمارات عندما اقتحمت المسجد الأقصى. كما دانت الإمارات إسرائيل دون أن تهدد بأى عواقب. وعندما أطلقت حماس الصواريخ وشنت إسرائيل غارات جوية، كانت الإدانة الإماراتية أكثر روتينية وقد عكس ذلك عداء كل من الإمارات والبحرين لحركة حماس، باعتبارها الجماعة الفلسطينية التى تمثل الإخوان المسلمين، أكبر تهديد لحكمهم. ردود الأفعال هذه عكست التزام الدول العربية بالتقارب مع إسرائيل. ففى مارس الماضى، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن استثمار بقيمة 10 مليارات دولار فى إسرائيل فى مجالات تتراوح من الغاز الطبيعى إلى التكنولوجيا وتحلية المياه.
يقول شموئيل بار، ضابط مخابرات إسرائيلى سابق ويملك حاليًا شركة برمجيات إسرائيلية تتعامل مع العديد من الدول العربية، إن هاتفه كان يعج بالرسائل النصية من العرب منذ بدء الاشتباكات. قال بار: «لم يتغير شىء، لم أسمع أى شخص يقول إن التوترات الأخيرة كان لها تأثير على الصفقات التجارية. لم يتصل بى أحد لإلغاء أى صفقة. لدى ما لا يقل عن 15 رسالة نصية من جهات اتصال من أماكن مختلفة فى العالم العربى استفسروا عما إذا كنت بخير وأنهم يأملون ألا تسقط صواريخ بالقرب منى»!
على الجانب الآخر، كان هناك ارتفاع ملحوظ فى التعاطف مع الشعب الفلسطينى فى الغرب، وخاصة فى الولايات المتحدة، حيث أظهر الشباب والديمقراطيون الليبراليون ميلًا واضحًا لصالحه. لكن فى العالم العربى، يقول الخبراء، إن الناس مثقلون بالعديد من المخاوف الأخرى، والقادة يملأهم الخوف من الإطاحة بهم، لدرجة أن فلسطين قد تم وضعها فى مرتبة متدنية فى قائمة أولوياتهم.
•••
فى العموم، التعب العام من المشكلة الفلسطينية، والأزمات الاقتصادية والسياسية فى الداخل، والحروب المتعددة، وحركات التمرد، والمجاعات التى تختمر، كلها عوامل ساهمت فى انزلاق التعاطف بين العرب لأخواتهم وإخوانهم فى فلسطين.
الأنظمة الملكية الموقعة على اتفاقيات أبراهام تركز على فطم الاقتصاد عن النفط وكذلك مكافحة التهديد الداخلى من الإسلام السياسى والتهديد الخارجى من إيران الآخذة فى التوسع وهذا كله غيّر النظرة تجاه القضية الفلسطينية بالكامل. قال بعض المؤثرين الدينيين والأكاديميين فى الإمارات إن الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطينى، وليس بين إسرائيل والعرب، وهو شعور يعكس تحولًا فكريًا فى الإمارات وأيضًا فى أماكن أخرى من المنطقة. على الرغم من ذلك، كان هناك تجمع كبير فى قطر يؤيد حماس ويدعم الإخوان المسلمين. كذلك فى البحرين والأردن كانت هناك مطالب بطرد السفير الإسرائيلى ولكن دون جدوى.
كذلك لم تلجأ أى من الحكومات العربية إلى أدواتها الدبلوماسية لإرسال رسالة أقوى إلى إسرائيل. بدلا من ذلك، استخدموا الإدانة الصريحة والتقليدية. قال يوئيل جوزانسكى، الباحث المتخصص فى سياسات الخليج وأمنه: «كان انتقادهم مجرد كلام، لم يفعلوا شيئًا على الأرض. لم يطردوا السفراء ولم يهددوا بالانسحاب من الاتفاقات حتى لم يبدأوا محادثات بين بعضهم البعض بخصوص الشعب الفلسطينى».
وأضاف: «إن العرب كانوا بلا شك مستائين من إسرائيل بشأن اقتحام المسجد الأقصى، لكن مع انتقال الصراع إلى غزة، خفت نبرتهم. وألقوا باللوم على إسرائيل فيما حدث فى المسجد وما حدث فى القدس. هذا مفهوم أكثر بسبب أهمية القدس الدينية للإسلام». واستكمل: «لكن مع هدوء القدس وبدء حماس فى إطلاق الصواريخ، أتاح ذلك لدول اتفاقات أبراهام الفرصة ليكونوا أكثر توازنا ويقسموا النقد بين إسرائيل وحماس. لاحظت أن عدة منافذ سعودية انتقدت حماس بصوت عالٍ. لقد ألقوا باللوم على حماس فى الوضع الذى وجد الناس أنفسهم فيه. كما لم تكن السعودية والإمارات تريدان أن تخرج حماس من الصراع منتصرة».
من جانبه، قال إبراهيم الأصيل، محلل لشئون الشرق الأوسط: «إن شريحة كبيرة من السكان العرب غارقة فى صراعاتها وأولوياتها، بل إن بعض العرب يثير تساؤلات حول سبب عدم حصول نضالاتهم على نفس الاهتمام على مستوى العالم». وأضاف: «إنه تطور هام ومثير للاهتمام فى الرأى العام العربى. لقد حصل الشعب الفلسطينى على تعاطف عالمى أكبر بكثير، ولكن فى المنطقة نفسها التعاطف يتراجع».
يستكمل أصيل حديثه: «اتفاقات أبراهام لم يكن الغرض منها حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى ــ ولا يمكنها ذلك، وحتى لو طبعت كل الدول العربية مع إسرائيل، فإن الصراع سيستمر بسبب جذوره المحلية الأصلية». لكنه أقر بوجود أمل فى أن يكون للإمارات والدول العربية الأخرى نفوذ على إسرائيل فى مثل هذه المواقف.
عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية البارز فى الإمارات والمستشار السابق لولى العهد الإماراتى، قال إن الاتفاقية وُقعت لتبقى. وأضاف: «فيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة، فالاتفاقية أصل استراتيجى ولا رجوع فيها. إن دولة الإمارات العربية المتحدة تسير فى مسارين متوازيين: الأول دعم الشعب الفلسطينى لبناء دولة خاصة به، واتفاقات أبراهام مسار آخر. ليس هناك أى عودة إلى الوراء».
لكن السير على كلا المسارين فى وقت واحد أصبح أكثر صعوبة خاصة إذا حل الزعيم الإسرائيلى اليمينى المتطرف نفتالى بينيت محل بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء. وهو الذى أيد بشدة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وعارض حل الدولتين.
باختصار، لقد اجتازت اتفاقيات أبراهام التحدى الأول. وعندما يكون هناك اختبار ثان أو ثالث أو رابع، قد لا تتمكن الاتفاقات من تحمل التوترات ولن تكتشف المنطقة هذا إلا بعد فوات الأوان.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved