(آه يا قفا)

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الإثنين 13 يوليه 2009 - 9:43 م بتوقيت القاهرة

 فى إحدى خروجات البنات الأسبوع الماضى وبينما نحن مجبرون على سماع الوصف التفصيلى بصوت وردة شلتنا الآنسة «م» التى أمضت ما يقرب من الساعة فى وصف تصفيفة شعرها الجديدة اللى دفعت فيها دم قلبها واللوم على ردود أفعالنا الباردة تجاه هذا الحدث العظيم اللى بتشهده مصر مرة واحده كل سنة متزامنا مع العلاوة الدورية لم تتخيل أبدا أن يكون رد فعل شلتنا هو اللامبالة التامة بينما جاء الإعجاب من شاب من شباب مصر الواعى الذى أعجب أيما إعجاب بالتصفيفة الأنيقة العالية التى تركت رقبتها البيضاء الطويلة فى الهواء الطلق فقرر أن يترك بصمة أصابعه الخمسة على مؤخرة عنقها.. اللى هو قفاها يعنى.. كتذكار عن تقديره وإعجابه وهوف فص ملح وداب.. تخيلوا معايا كده فتاة جميلة محترمة فى أواخر العشرينات ماشية معتزة بنفسها ومناخيرها فى السما وشعرها بيرفرف فى الهوا زى البنات بتوع إعلانات صابون شمس بتاع المواعين وهوووب تتسكع قلم على قفاها يتردد صداه من شرق الدنيا لغربها وبينما وقف الشارع المصرى كله يشاهد كرامة البنية وهى مدلوقة فى الطريق العام بين استياء الواقفات من النساء من الجانى على أساس إنه ما اترباش واستياء الشباب منه على أساس إنه (قفا إيه وبتاع إيه مش كان ركز فى المهم) ولوم الأغلبية للضحية اللى طبعا لو كانت محجبة ماكانش جرالها الكلام ده (ده بغض النظر يعنى عن الصليب المتعلق فى رقبتها).. إلا إن نظرية الضرب ع القفا دى لفتت جدا انتباهى.. القفا ــ اللى غنى له محمود عبدالعزيز رائعة الستمونى الخالدة «آه يا قفا يا قفا» متسائلا عن سر تجاهل المطربين له رغم إنه بيستحمل فى الزمن ده كتير ــ كان دائما وأبدا فى بؤرة اهتمام المصريين فلا أظن أن عضوا من أعضاء الجسم الإنسانى حظى مثلا بمثل هذا الكم من الأمثال الشعبية للاحتفاء به والدلالة على أهميته فمثلا «اللى مايعجبكش النهاردة وشه بكره تتحوج لقفاه».. «فى الوش مراية وفى القفا سلاية».. «سيب حبيبك على هواه بكره ديله ييجى على قفاه».. «رجع قفاه يقمر عيش» ومثلى المفضل بين كل الأمثال الشعبية «لولاك يا لسانى ما انسكيت يا قفايا» والمثل المرتبط بالبنات دائما وأبدا ــ منه لله اللى اخترعه ــ «على قفا مين يشيل».. ويقال إن موضوع الضرب على القفا ده له جذور تاريخية وفيه بعض الأصدقاء بيؤكدوا إن المعابد الفرعونية تحمل على جدرانها تأريخا للطقس المصرى الأصيل وقد تكون بعض الدول الشقيقة تأثرت به واقتبسته فنجد ابن الرومى مثلا يقول فى هجائه لأحد الأشخاص «وأنت من أهل بيت سوء قصتهم قصة تطول.. وجوههم للورى عظات لكن» أقفاءهم «طبول».. إلا أننى أعتقد أنكم تتفقون معى أن الشعور بالضرب ع القفا هو ماركة مصرية مسجلة.. لو ما أسعدكش الحظ وكنت تلميذا لمدرس متغذى يؤمن بإن «الضرب ع القفا بيزيد المعرفة» أو قوبلت مرة من المرات بلجنة ترحيب أثناء زيارة ودية منك لأحد أقسام الشرطة لتعاصر الحدث بكل جوارحك فعلى الأقل بتحس بيه وانت بتقرا الجرايد كل يوم مع كل قضية فساد بتتكشف.. مع كل رجل أعمال بيهرب بقرض من البلد.. مع كل مسئول سابق بتكتشف إنه كان بيستغل منصبه.. مع أخبار القمح الفاسد اللى أكلناه والخضار المسرطن اللى طبخناه وماية المجارى اللى شربناها.. مع أخبار ازدهار الاقتصاد وارتفاع مرتبات لاعبى الكرة وأجور الفنانين والفنانات وإنت مش عارف تشترى جوزين شرابات.. مع سماعك تصريحات عن تقدم العملية التعليمية وابنك جنبك مش عارف الألف من كوز الدرة كل شهر مع فاتورة الكهربا وكل 3 أشهر مع فاتورة التليفون وكل يوم مع مغامراتك لمحاولة أكل رغيف عيش بدون تكسير أسنانك وكل لحظة ابنك اللى متخرج فى كلية من كليات القمة قاعد فيها جنبك على قهوة العاطلين ومع كل نفس بتاخده وبيحرق صدرك مع تحيات وزراة البيئة.. والجميل إن كل منا «قفا» ومستحمل كل ده.. إلى صديقتى العزيزة «م» لا تحزنى.. إيه يعنى قلم واحد على القفا.. وإيه يعنى برستيجك اللى اتعور وكرامتك اللى اتبعترت؟.. عادى يا بنتى ماتاخديش فى بالك..فكلنا قفا وكلنا مضروب على قفاه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved