سد النهضة.. الدبلوماسية وحدها لا تكفى!
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 13 يوليه 2020 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
تاريخ طويل من الصراعات والمؤامرات والتحالفات المشبوهة، يلقى بظلاله السوداء على المواقف الإثيوبية المتعنتة فى مفاوضات سد النهضة، ويكشف دوافعها الحقيقية ونتائجها الكارثية المرتقبة التى تخطط لها إثيوبيا ومن يقف وراءها.
فبحسب وثائق موجودة فى متحف «الاسكوريال» فى اسبانيا اطلع عليها الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل وكشف عنها فى حوار تليفزيونى قبيل وفاته، فإن التفكير فى قطع مياه النيل عن مصر لإضعافها بدأ منذ 800 سنة إبان فترة الحروب الصليبية، وتحول هذا التفكير إلى خطة عملية مع رحلة فاسكو دى جاما لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، حيث كلفه بابا الفاتيكان آنذاك بلقاء يوحنا ملك الحبشة المسيحى لكى يتباحث معه فى كيفية تحويل مجرى النيل لكى يصب فى المحيط ولا تصل مياهه إلى مصر، انتقاما منها لهزيمتها الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبى.
وحتى فى الحرب العالمية الأولى فكر الايطاليون فى نسف أجزاء من بحيرة تانا الإثيوبية لتقليل المياه الواردة إلى مصر المحتلة من انجلترا، وأرسلوا فريقا من خبراء ومهندسى الرى لتنفيذ هذه الخطة لكنهم فشلوا.
قد تكون هناك خطط غربية أخرى لقطع النيل عن مصر لم يطلع عليها هيكل وقد لا تكون، لكن ما ذكره كاف جدا لكى نستنتج من خلاله أن إصرار إثيوبيا على التحكم فى مياه النيل إما إنه يتم بالتنسيق مع قوى ودوائر غربية وغير غربية يهمها لأسباب متباينة إضعاف مصر لكى تسيطر بسهولة على بقية المنطقة، أو أن إثيوبيا تقدم نفسها لهذه القوى والدوائر باعتبارها قوة عظمى إقليمية، إضافة إلى عوامل اثيوبية داخلية على رأسها رغبة العرقيات الحاكمة والمتحكمة فى السلطة والثروة فى توحيد العرقيات الاثيوبية المختلفة خلف مشروع وطنى زائف، يتطلب «نجاحه» تأجيج العداء مع مصر وتصويرها وكأنها خطر خارجى داهم يريد حرمان الإثيوبيين من حقهم فى تحسين حياتهم البائسة، لكى تستمر هذه النخبة الاثيوبية الحاكمة فى فرض سيطرتها على بقية العرقيات الاخرى!
النفوذ الإقليمى الذى تسعى إثيوبيا للحصول عليه لن يتحقق لها إلا بإضعاف مصر أو بالتهديد بإضعافها، وهى الحقيقة التى كانت غائبة عن المفاوض المصرى منذ 10 سنوات، والتى يبدو انه انتبه لها مؤخرا، وبدأ ــ كما نرجو ــ يدرك أن الدبلوماسية وحدها لا تكفى لوقف أطماع إثيوبيا عند حدها، وأن الرهان على تصورات وهمية بـ«حسن النية» الاثيوبى رهان خاسر.
ما يجب أن تفهمه إثيوبيا جيدا أن هناك خطا أحمر لن يمكنها تجاوزه، وأن 10 سنين من المراوغات فى مفاوضات عبثية ومن التلاعب بالقانون الدولى والاتفاقيات التاريخية هى بمثابة إعلان حرب على مصر، وأن علينا أن ندافع عن أنفسنا باللجوء للوسائل العسكرية مهما كانت أثمانها الباهظة وأوجاعها المؤلمة..!