الإرث الأمريكى فى أفغانستان.. كرة نار فى أحضان الإقليم
مواقع عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 13 يوليه 2021 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب تناول فيه التحديات التى يفرضها الانسحاب الأمريكى من أفغانستان على دول الإقليم الآسيوى.. نعرض منه ما يلى.
يفرض الانسحاب الأمريكى وسرعة تساقط المناطق الأفغانية بأيدى حركة «طالبان»، تغييرا جيوسياسيا فى جنوب آسيا، سيتردد صداه من روسيا إلى الصين وإيران وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى والهند. ومن حيث «انتهت مهمة أمريكا» وفق تعبير جو بايدن، فهل يكون ذلك إيذانا ببدء متاعب الآخرين؟
بوضوح وبحسم، قال جو بايدن إنه لم يعد لأمريكا ما تفعله فى أفغانستان، وبأنها حققت أهدافها هناك. وهذه الأهداف هى فى رأيه عدم وقوع هجمات جديدة داخل الأراضى الأمريكية مماثلة لتلك التى نفذها تنظيم «القاعدة» فى 11 سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن، ونصح الآخرين بـ«التعايش» مع «طالبان». كان هذا آخر الكلام الأمريكى بالنسبة إلى أفغانستان، بينما الواقع على الأرض ينذر بأسوأ السيناريوات، سواء بالنسبة إلى الأفغان أو بالنسبة إلى المحيط.
مسارعة «طالبان» إلى السيطرة على المنافذ الحدودية لأفغانستان، بعثت برسالة معاكسة لـ«التطمينات» التى حملها وفدان من الحركة إلى كلٍ من روسيا وإيران بالتزامن. فكان لزاما على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن يتصل بالرئيس الطاجيكى إمام على رحمن ليؤكد له أن روسيا وضعت قاعدتها العسكرية فى طاجيكستان فى حال تأهب للتدخل إذا دعت الحاجة، وأوفد رئيس هيئة أركان القوات المشتركة لمنظمة الأمن الجماعى الجنرال أناتولى سيدوروف لتفقد الحدود الطاجيكية – الأفغانية بعد فرار جنود أفغان إلى داخل طاجيكستان عقب استيلاء «طالبان» على ثلثى المعابر بين البلدين وبينها جسر أمو داريا الذى يحمل رمزية خاصة بالنسبة إلى روسيا، كون آخر جندى سوفياتى عبر هذا الجسر عند الانسحاب من أفغانستان عام 1989. وطبعا، لا ترغب روسيا فى سلوك الجسر بالاتجاه المعاكس مرة أخرى.
وفى سياق متصل، ما يستحق التوقف عنده، أن الأنباء عن سيطرة «طالبان» على معبر إسلام قلعة الرئيسى مع إيران، وردت أولا من وسائل إعلام إيرانية قبل أن تؤكدها الحركة، فى دلالة على أن طهران تراقب بدقة التطورات الدراماتيكية داخل أفغانستان، ولا سيما فى ولاية هيرات التى يقطنها أربعة ملايين من أقلية الهزارة الأفغانية الشيعية.
•••
وعلى رغم «التطبيع» الظاهر بين طهران والحركة الأفغانية المتشددة، فإن الماضى غير البعيد والفوارق الإيديولوجية لا تزال ترخى بثقلها على العلاقات بين الجانبين. وإلى الآن، يقيم مئات آلاف اللاجئين الأفغان من الهزارة فى الأراضى الإيرانية بعدما كانوا فروا من حكم «طالبان». بينما يبقى اقتحام الحركة فى ذروة حكمها لأفغانستان، القنصلية الإيرانية فى مزار الشريف وقتلها جميع أفراد الطاقم العامل فيها، أمرا يفرض على طهران التزام جانب الحذر فى التعامل مع «طالبان» المنبعثة من جديد. وتقيم إيران علاقات جيدة مع حكومة كابول، وكان لافتا للانتباه الدعم السخى الذى لقيه الرئيس الأفغانى السابق حامد كرزاى من الحكومة الإيرانية بعد إطاحة «طالبان» من الحكم عام 2001.
وتثير التغييرات الجيوسياسية فى أفغانستان قلق الصين بقدر ربما يفوق ذلك السائد فى روسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى. وبكين عينها اليوم كيف تحافظ على «الممر الاقتصادى» الصينى ــ الباكستانى الذى يتضمن مشاريع صينية فى باكستان مقدارها 60 مليار دولار. وفى مقال على موقع «بلومبرج» الأمريكى، وردت ملاحظة مهمة وهى أن الاقتصاد الصينى تضاعف خمس مرات منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان عام 2001. وتاليا من حق القادة الصينيين أن يقلقوا من تداعيات الانسحاب الأمريكى الآن، وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد للاستثمارات الصينية فى بلد مثل باكستان تعداد سكانه يتجاوز 216 مليونا. وإدراكا لأهمية هذه الاستثمارات، أنشأ الجيش الصينى منذ سنوات قوة خاصة لحماية هذه الاستثمارات. ويعتزم وزير الخارجية الصينى وانج يى القيام بجولة على دول آسيا الوسطى الأسبوع المقبل للبحث فى التطورات الإقليمية. وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وينبين صريحا فى توجيه الانتقاد إلى الانسحاب الأمريكى «المتسرع» من أفغانستان، وطالب واشنطن بالوفاء بالتزاماتها فى ما يتعلق «بمنع أفغانستان من أن تصبح مجددا ملاذا للإرهاب».
وعلى رغم صحة المعلومات التى تتحدث عن أن باكستان لم توقف فى يومٍ من الأيام دعمها لـ«طالبان» الأفغانية، فإن لديها الكثير لتخشاه من احتمالات تجدد الحرب الأهلية فى البلد المجاور والذى يرتبط عرقيا وتاريخيا بالكثير من الصلات بباكستان. ولا يخفى الدور الذى لعبته الاستخبارات العسكرية الباكستانية فى نشأة «طالبان» فى أوائل التسعينيات الماضية من المدارس الدينية فى باكستان، حتى وصولها إلى السيطرة على كامل أفغانستان فى 1996.
وقد سارع رئيس وزراء باكستان عمران خان إلى الإعلان عن عدم استعداد بلاده لاستقبال مزيد من اللاجئين الأفغان، فى وقت يوجد أكثر من 1.4 مليون لاجئ أفغانى على أراضيها. وتخشى إسلام أباد أن يشجع استيلاء «طالبان» على الحكم مجددا فى أفغانستان، حركة «تحريك طالبان» الباكستانية على استئناف هجماتها ضد الجيش الباكستانى. ومعلوم أن هذه الحركة مسئولة عن قتل 70 ألف شخص فى هجمات وتفجيرات منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان. وبالكاد تمكن الجيش الأفغانى بالتعاون مع المسيرات الأمريكية من احتواء هذه الحركة. لكن التطورات فى الجوار الأفغانى قد تغرى الحركة مجددا على معاودة نشاطها العسكرى.
•••
وفضلا عن ذلك، ستتعرض باكستان لضغوط أمريكية من أجل التدخل لكبح جماح «طالبان» فى أفغانستان. لكن عمران خان وعد الأمريكيين باستخدام ما لديه من وسائل ضغط ــ باستثناء العسكرية منها ــ لإقناع «طالبان» بالدخول فى تسوية مع كابول والعمل على عدم تحويل البلاد مجددا إلى ملاذٍ للتنظيمات الجهادية ولا سيما «القاعدة» و«داعش».
وفى مواجهة وضع اقتصادى متدهور زاد من تفاقمه وباء كورونا، تتطلع إسلام أباد إلى قرض من صندوق النقد الدولى بـ 6 مليارات دولار. وهناك من يدعو داخل إدارة بايدن إلى استخدام هذا القرض كرافعة لحمل الحكومة الباكستانية على التعاون أكثر فى ما يتعلق بأفغانستان، لكن النتائج غير مضمونة.
وفى الوقت نفسه، لن تكون الهند بمنأى عن الأحداث الجارية، وعودة «طالبان» إلى الحكم، لن يكون مؤشرا جيدا على توازن القوى مع باكستان. وكانت نيودلهى من أبرز الداعمين لحكومة كابول بعد الغزو الأمريكى. ومما لا شك فيه أنها تعيد الآن حساباتها الإقليمية.
ويبقى تركيا التى يحاول رئيسها رجب طيب أردوغان، أن يستفيد من فرصة الانسحاب الأمريكى ليقدم نفسه حاميا لمطار حامد كرزاى الدولى فى كابول. وهو يعمل عن كثب مع الولايات المتحدة كى تمنحه هذا الدور، بينما يعتمد على علاقات قطر الجيدة مع «طالبان» كى تضمن له قبولا «طالبانيا» بأنقرة كطرف ضامن لبقاء المطار محايدا تحت الإشراف التركى، بما يعنيه ذلك من توسيع جديد للنفوذ الإقليمى لتركيا.
قد يكون من المبكر جدا إصدار أحكام مبرمة حول اتجاهات الريح الأفغانية. لكن الأكيد أن الانسحاب الأمريكى سيكون فاتحة لمرحلة جيوسياسية جديدة فى جنوب آسيا وما حولها، تماما كما كان الغزو قبل 20 عاما.
النص الأصلى