الصهيونية المغيبة في أوكرانيا
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 13 يوليه 2023 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة القدس الفلسطينية مقالا للكاتب إياد البرغوثى، يذكر فيه أن للوجود اليهودى فى أوكرانيا دورا فى نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرا إلى أسباب تهميش بوتين لهذا الجزء من الحقيقة وراء قيام هذه الحرب، واستغلال إسرائيل لها لتحقيق مصالح خاصة.. نعرض من المقال ما يلى.
عندما أرجع الرئيس الروسى بوتين أسباب «العملية» العسكرية فى أوكرانيا إلى أفعال النازية الجديدة هناك، ومن ورائها الإمبريالية «الأنجلو ساكسونية»، كان ذلك ــ برأينا ــ جزءا من الحقيقة، ولم تكن الحقيقة كلها. الجزء الآخر الذى تم «تغييبه» هو الصهيونية فى أوكرانيا، ومن ورائها إسرائيل والصهيونية العالمية.
لا أظن أن دور الصهيونية فى روسيا وأوكرانيا، وقبل ذلك فى الاتحاد السوفياتى، يخفى على رئيس ذكى كبوتين، قضى جزءا كبيرا من حياته ضابطا فى المخابرات السوفياتية. كما أن اتهامه للنازية فى أوكرانيا دون غيرها مسألة مفهومة، فالنازية هى التى قتلت من السوفيات أكثر من عشرين مليونا فى الحرب العالمية الثانية، ووصلت جيوشها إلى أبواب موسكو، واتهامها من قبل بوتين ضرورى لحشد الشعب الروسى خلفه، وإظهار مدى جدية التهديد لروسيا، ومدى أحقية الذهاب إلى العمل العسكرى لمواجهته، كذلك فإن النازية تستحضر الانتصار السوفياتى (الروسى) عليها وتذكر الروس بالنصر والكرامة القومية.
أما تغييب الصهيونية، أو القفز عن دورها فى أوكرانيا، فهو خاضع لاعتبارات عديدة، أهمها برأينا محاولة «تحييد» إسرائيل فى هذا الصراع، أو على الأقل، إبقاء الدور الإسرائيلى فى دعم أوكرانيا بحده الأدنى. والتقاطعات و«التفاهمات» التى يحرص بوتين على الحفاظ عليها مع إسرائيل فى بعض الملفات الدولية وخاصة فى سوريا. وكذلك العلاقات أو «بقايا» العلاقات، التى تربط بوتين بالأوليغارشة اليهودية المؤثرة فى روسيا نفسها.
• • •
على الرغم من التقاطعات الكبيرة بين النازية والصهيونية، من حيث العنصرية المبنية على التفوق العرقى، وكون كلتاهما وليدتا «الحضارة» الغربية، وتشاركهما ولو مصادفة حتى فى جنسية مؤسسى الحركتين، حيث هرتسل وهتلر نمساويان، والتشابه الكبير فى ميل الحركتين لاستخدام العنف، إلا أن الجرأة فى الحديث عن النازية أكثر منها عندما يتعلق الأمر بالصهيونية، فالاختلاف بينهما ليس فقط فى كون النازية هزمت فى الحرب العالمية الثانية بينما «نجحت» الصهيونية، إنما الفرق أساسا فى نوع الضحية عندهما، حيث ضحايا النازية من الأوروبيين، بينما ضحايا الصهيونية من الفلسطينيين والعرب الشرقيين.. فالفرق هنا بين النازية والصهيونية ليس فى حجم الجرائم المرتكبة، إنما فى نوع الضحية التى تمارس عليها تلك الجرائم.
الوجود اليهودى فى أوكرانيا قديم جدا، وهو وجود كبير نسبيا إذا ما قورن بروسيا وبقية جمهوريات الاتحاد السوفياتى السابق، ففى حين كانت نسبة اليهود فى المدن الروسية الأساسية كموسكو وسان بطرسبرج، واليهود عادة سكان مدن، بين ثلاثة إلى أربعة بالمائة من السكان، كانت فى أوديسا وكييف تصل إلى اثنى عشر بالمائة.
كما أن العديد من زعماء الحركة الصهيونية الأوائل هم من اليهود الأوكران، ويكفى أن نشير هنا إلى أسماء مثل جابوتنسكى مؤسس التيار الأكثر يمينية فى الحركة الصهيونية، وكذلك مناحيم بيجن الذى كان زعيم عصابة الإرجون الصهيونية الأكثر تطرفا وأصبح فيما بعد رئيسا لحكومة إسرائيل، وجولدا مائير رئيسة الحكومة، ومردخاى نمير الذى شغل منصب رئيس بلدية تل أبيب والأمين العام للهستدروت.
فى الوقت الراهن، حيث فولودومير زيلنسكى رئيسا لأوكرانيا، وهو اليهودى الذى يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويتحدث العبرية، وعاش ــ كما يقال ــ فى مستوطنة جفعات عوز بالقرب من أم الفحم، وساعدته فى الوصول إلى الرئاسة، ودعم حملته الانتخابية، وهو الممثل الهزلى الذى لم يعمل بالسياسة مرة واحدة فى حياته، الأوليغارشية اليهودية الأوكرانية.
• • •
أظهر الإعلام الأوكرانى وكذلك الغربى، حساسية شديدة تجاه القضايا التى تهم اليهود، أكثر من تلك التى تهم الأوكران أنفسهم، حتى فى خضم الحرب التى يفترض أن ضحاياها بالأساس هم الأوكرانيون. ذلك ليس غريبا حيث تملك الأوليغارشية اليهودية الأوكرانية الكثير من التأثير على وسائل الإعلام.
فعلى سبيل المثال، عندما ضرب صاروخ روسى برج الإذاعة والتلفزيون فى كييف، ركز الإعلام على أن البرج يقع ليس بعيدا عن مركز «بابين يار» لإحياء ذكرى ضحايا «المحرقة» مما أثار «ذكرى أليمة لدى يهود العالم». كما ركز الإعلام على الصاروخ الذى سقط «على بعد 160 كم فقط» من مدينة أومان، وهى المدينة الأوكرانية التى يحج إليها عدد كبير من اليهود فى العالم.
من الملفت للنظر هنا، أن الإعلام اعتبر سقوط الصاروخ «بالقرب» من النصب التذكارى للمحرقة، أهم من سقوطه فوق البرج مباشرة. واعتبر أن إثارة ذكرى الألم عند اليهود أهم من الألم نفسه عند الأوكران.
• • •
أهم ما تستثمره إسرائيل فى الحرب الدائرة فى أوكرانيا، هو هجرة ما تبقى من يهود فى البلدين، أوكرانيا وروسيا، وهو ما يجرى حاليا. وأوضح ما يريد الغرب من أوكرانيا، هو أن تكون إسرائيل ثانية فى أوروبا الشرقية والبلقان، تكون أداة للهيمنة على المنطقة السلافية وخاصة روسيا، كما تفعل إسرائيل بالنسبة للشعوب العربية وشعوب الشرق الأوسط.
من المهم أن ندرك الآن، ويدرك الروس قبلنا وفى مقدمتهم الرئيس بوتين، وأظنه يدرك، أن الدور الصهيونى فى روسيا الاتحادية لا يقل «كارثية» عن ذلك الدور الذى لعبته فى الاتحاد السوفياتى.. بل برأيى المتواضع، فإن عداء الصهيونية لروسيا السلافية الأورثوذكسية، هو أكثر عمقا من عدائها لروسيا الاشتراكية، وذلك لاعتبارات تاريخية معقدة، واستمرار لدور الصهيونية كذراع طويل وفعال للإمبريالية الغربية.
النص الأصلي