إنترنت (أم عادل)
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 13 أغسطس 2009 - 10:05 ص
بتوقيت القاهرة
السيدة الفاضلة خالدة الذكر «أم عادل» كانت فراشة فى مدرستى الابتدائية، وكانت صاحبة نظرية اقتصادية وصحية رائدة، وهى أن كل تلميذ أو تلميذة فى المدرسة يكفيه سندوتش واحد ليأكله فى الفسحة، وأن ما يزيد على ذلك إنما هو يتسبب بشكل مباشر أولا فى إفساد صحتنا، وثانيا فى تعليمنا التبذير، ولذلك فضمانا لتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات كانت تأخذ السندوتشات الزائدة على الحد لتعيد توزيعها على المحتاجين والبؤساء الذين يتمثلون من وجهة نظرها فى شخصها الكريم وفى زوجها وابنها «حبظلم» الشهير بـ«فاروق» (كان إسمها «أم عادل» ليه طالما ابنها اسمه «فاروق»؟
مش موضوعنا دلوقتى) أما من كان يحاول منا الاعتراض فكان نصيبه تهديدا واضحا لا يقبل التأويل بأنه إن فعل فسيقضى بقية أيامه مدهونا بالعسل فى حجرة الفئران.. وبعد محاولات استمرت سنين طويلة لنسيان تلك الأيام السودة عادت كل كوابيس السندوتشات والفئران و«أم عادل» لتطاردنى الأسبوع الماضى بعد قراءتى لقرار «الاستخدام العادل للإنترنت» الذى أقرته وزارة الاتصالات وباركته جميع الشركات المزودة لخدمات الإنترنت (خدوا بالكم «عادل» برضه ).
القرار للى مايعرفوش باختصار شديد بيقول الآتى.. إحنا يا جماعة كنا عملنالكم باقتين للإنترنت واحدة محدودة ورخيصة عشان ماتقدروش تحملوا حاجات كتيرة من الإنترنت والتانية غير محدودة وغالية عشان تقدروا تحملوا الللى انتوا عايزينه وبكل حرية وانتوا عارفين الحرية فى بلدنا لازم يكون ليها تمن، لكن دلوقتى إحنا رجعنا فى كلامنا وهناخد منكم اشتراك الباقة الغالية وبرضه مش هتقدروا تحملوا اللى انتوا عايزينه عشان انتوا عيال وحشين وبتاخدوا أكتر من حقكم ولازم نعلمكم إن انتوا ماتبقوش مبذرين وتكون قلوبكم رحيمة وتحسوا بالمحتاجين والبؤساء اللى سرعتهم بتتأثر والنت عندهم بيبقى بطىء بسبب استخدامكم السيئ للإنترنت (نفس منطق «أم عادل» إلهى يدشدش الطوبة اللى تحت رجليها عايشة بأه أو ميتة).
و هنا تخطر لنا عدة ملاحظات: أولا وزراة الاتصالات من وجهة نظرها بتحارب الوصلات غير الشرعية اللى بيلجأ ليها البعض لسبب بسيط وهو إن فيه ناس ماتقدرش تدفع الاشتراك لوحدها وده لسبب أبسط وهو إن ثمن توفير خدمات الإنترنت فى مصر يعتبر من الأغلى عالميا.. وبتنسى وزارة الاتصالات إن وصلة الإنترنت الشرعية ممكن تكون بتستخدم بشكل شرعى من أكتر من شخص.. عيلة واحدة مثلا، فى بيتنا استخدام الإنترنت مقسم بينى وبين أخويا ووالدى وبالتأكيد تصفحنا للإنترنت وتحديث البرامج المجانية وتحميل كليبات خطب رئيس الحكومة مثلا أو خطبة الريس فى عيد العمال أو أوباما فى القاهرة (ماقلتش هايفا ولا نانسى ولا بيونسيه أهه) تجمع أكتر بكتير من الحد اللى الوزارة حددته فى القانون الجديد فهل المعقول يعنى إن كل فرد من أفراد العيلة هيجيب خط لوحده؟.. ثانيا: لو كل واحد فينا جاب خط لوحده نبقى عملنا إيه؟
إنتوا بتقولوا إستهلاككم كبير عشان بتشتركوا مع بعض وبتحملوا كلكم فى وقت واحد طب ساعتها كل واحد هيكون لوحده صحيح لكن المجموع هيكون هو هو.. تبقى المشكلة إتحلت إزاى بأه؟.. ثالثا: القرار الجديد بيقول وكل جيجا زيادة هتحملها تدفع عليها 10 جنيه».. الله!.. طب ما انت كده زى اللى بيقول إوعى تسرق لكن لو ظرفتنى 5 جنيه إسرق زى ما انت عايز! يبقى الهدف مش حل مشكلة الاستهلاك زى ما بتعلنوا.. الهدف سبوبة وخلاص.. رابعا: إنت ماضى معايا عقد بيقوللى حقك تحمل زى ما انت عايز.. دلوقتى بتخالفه وبتقوللى اضرب دماغك فى الحيط؟.. والا انتوا عشان كلكوا حكومة فى بعض حقى يضيع عشان مش هلاقى حد أشتكيله؟.. هو ده المثل اللى بتضربهولى؟
هى مش وزارة الاتصالات دى برضه جزء من الحكومة؟ الحكومة الإلكترونية بتاعة القرية الذكية ودخول عصر العلم والتكنولوجيا ودعم الإنترنت المجانى ومشروع حاسب لكل بيت؟ والا الكلام ده كان فى دولة تانية وانا مش واخدة بالى؟.. يا أولى الأمر يا كباراتنا..أرجوكم ارفعوا أيديكم عن المتنفس الوحيد للشباب.. إلا إذا كان المطلوب طبعا هو أن نختنق.