محمد مرسى: خليك فى بيتكم
وائل قنديل
آخر تحديث:
الإثنين 13 أغسطس 2012 - 9:05 ص
بتوقيت القاهرة
هناك قطعة «comprehention» يرددها بعض خبراء استراتيجيين وسياسيين من كتاب المحفوظات، بلا وعى أحيانا، كلما خطا الدكتور محمد مرسى خطوة هنا أو هناك، للخارج أو للداخل، على نحو يجعلك تشعر أحيانا بأن الاعتراض ليس على الفعل أو التصرف، بل على الفاعل نفسه.
وعلى هذا فحين سافر محمد مرسى إلى السعودية فى أول زيارة خارجية له، ثارت انتقادات عنيفة ضد هذا الاختيار، من منطلقات ثورية، ترى فى السعودية دولة غير مشجعة على الإطلاق لمسيرة مصر بعد خلع مبارك وسجنه، فضلا عن مشكلة المحامى المصرى أحمد الجيزاوى ومصريين آخرين مسجونين هناك، وهذه قد تبدو أسبابا منطقية وجيهة للنقد والاعتراض، لولا اختلاط الحابل بالنابل فى مهرجان الاعتراض، لتجد فى صدارة المشهد الاعتراضى من كانوا ينظمون القصائد ويدبجون المدائح فى أسفار مبارك العديدة المتعددة إلى المملكة، بمناسبة وبدون مناسبة، وفى ظروف كانت فيها أوضاع المصريين هناك أكثر سوءا مما هى عليه الآن.
بل إن بعض الاعتراضات على زيارة مرسى للسعودية تأسست على سؤال: لماذا يذهب هو إليهم ولا يأتون إلينا، على اعتبار أنه رئيس مصر الكبيرة الرائدة.
ومن هنا يبدو الأمر مضحكا وملهاويا، عندما تجد نفرا ممن هبوا للدفاع عن الكرامة الوطنية والثورة العظيمة ومكانة مصر التى جرحت بسفر مرسى للسعودية، هم أنفسهم الذين ينتفضون تصريحا ضد مجىء أمير دولة قطر لزيارة مصر أمس الأول، حيث لا تختلف أسباب الاعتراض كثيرا، وتدور فى محيط كرامة مصر وكبريائها، وأطماع قطر التوسعية، ويتذاكى أحدهم ويلفت عناية القارئ والمشاهد لكى لا ينسى أن قطر هذه هى الدولة التى بها قناة الجزيرة والشيخ يوسف القرضاوى.
وتبلغ الملهاة ذروتها حين يرى البعض فى ضخ الحكومة القطرية مليارى دولار فى البنك المركزى المصرى تدخلا فى شئون مصر، أو دعما لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن كثيرين من المعترضين الآن لم يكونوا يرون غضاضة فى مهانة المعونة الأمريكية المشروطة، ولم نر هذه الحمية والنخوة طوال سنوات كانت المعونة الأمريكية خلالها أشبه بفاتورة شراء القرار السياسى والإرادة الوطنية.
وهكذا إذا ذهب محمد مرسى فهو مدان، وإذا استقبل فهو أكثر إدانة، الأمر الذى يجعل الحل الأمثل أمامه أن يجلس فى بيته، والحجة الجاهزة دوما هى كرامة مصر ومكانتها، وحجمها ودورها، وغير ذلك من قيم راسخة يعلم المطنطون أنها تقلصت وتضاءلت وانخفضت إلى أدنى مستوياتها مع حكم المخلوع، ولم يكن أحد من هؤلاء يجرؤ على الاعتراض.
غير أن ما يبعث على الأسى أن يشعر أحد ــ أو يتصنع الشعور ــ بأن مصر من الممكن أن تتناقص وتتقلص إلى الحد الذى يخشى معه من أن تتحول إلى فريسة تلتهمها إمبراطورية عملاقة اسمها « قطر» وبصرف النظر عن معطيات التاريخ والجغرافيا والواقع السياسى، فإنه فى حدود معلوماتنا المتواضعة قطر هى دولة عربية شقيقة تتحدث لغتنا وتعتنق ما نعتنق من دين، مثلها مثل أية دولة عربية آخرى تجمعنا بها روابط الدم واللغة والدين.
إن معارضة محمد مرسى فريضة وطنية، إذا كان هناك من الأخطاء والإجراءات ما يستوجب المعارضة والنقد، وهناك الكثير مما يمكن أن تختلف معه وترفضه، ومن ذلك تلك التحرشات العنيفة بوسائل الإعلام، وعودة سياسة المصادرة، لكن حين يعارض البعض لمجرد المعارضة، وفى غير موضعها، فإن من شأن ذلك أن يبتذل فكرة النقد ذاتها.