هيمنة مودى المدمِرة
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 13 أغسطس 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب شاشا ثارور، يقول فيه إنه رغم أن الهند نظامها برلمانى لكن رئيس وزرائها ناريندرا مودى يدير دولته بأسلوب رئاسى بسبب انفراده باتخاذ القرارات. ومع ذلك، لا يوظف مودى مركزية سلطته فى خدمة الغالبية العظمى من الشعب الهندى.. نعرض من المقال ما يلى.
أكمل رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، أخيرا، ثمانى سنوات فى منصبه. ومع اقتراب الهند من الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لحصولها على الاستقلال، يكاد مودى لا يُقهر بفضل نفوذه الانتخابى الهائل. ولكن أسلوبه الشخصى فى صنع السياسة يظل متهورا وخاصا به، مما له عواقب وخيمة على نظام الحكم فى الهند.
• • •
فى مايو، على سبيل المثال، أعلنت حكومة مودى أن الهند سوف «تُطعم العالم» من خلال تصدير المزيد من القمح، بعد أن أدت الحرب فى أوكرانيا إلى تعطيل الإمدادات العالمية. وفجأة، فرضت الهند حظرا على الصادرات، ثم رفعته جزئيا بعد بضعة أيام. وأثارت خطة استبدال العمل المضمون طويل الأجل بمعاشات التقاعد التى اعتمدتها إدارته فيما يتعلق بالمجندين بعقود مدتها أربع سنوات، احتجاجات فى صفوف الشباب فى جميع أنحاء البلاد.
وتوضح هذه القرارات ليس فقط هيمنة «مودى» اللافتة للنظر على سياسات الهند المتعنتة، بل توضح أيضا تمركزه المفرط فى السلطة. إذ يدير مودى نظاما برلمانيا بأسلوب رئاسى يمنح الهنود أسوأ ما فى العالم القديم والعالم الجديد: سلطة تنفيذية قوية غير مقيدة من قبل هيئة تشريعية مستقلة.
خذ على سبيل المثال أكثر قرارات حكومة مودى حسما حتى الآن: قرار إلغاء التداول المفاجئ فى عام 2016 لـ86٪ من عملة الهند المتداولة، والإغلاق التام الصارم للبلاد للتصدى لوباء كوفيدــ19 الذى كان فى مراحله الأولى، و«الهجمات الاستئصالية» عبر خط المراقبة بين الهند وباكستان. إن كل هذه القرارات تعود لمودى وعدد قليل من المستشارين غير المنتخَبين، ولم يتخذها مجلس الوزراء كما هو متوقع فى نظام برلمانى.
وتنطبق نفس الملاحظة على ثلاثة قوانين فرضتها الحكومة بخصوص الإصلاح الزراعى ولم تحظ بشعبية كبيرة، وقرارها إلغاء الحكم الذاتى فى جامو وكشمير، وإطلاق حملة لإنشاء السجل الوطنى للمواطنين ثم تعليقها لاحقا. ولم تساهم السلطة التشريعية فى إصدار أى قرار من هذه القرارات، ولا حتى النواب الموكلين بسلطة وزارية رسمية. كما لم يكن هناك أى تشاور مع حكومات الولايات، على الرغم من أن الهند لديها نظام فيدرالى.
ويبدو أن أسلوب العمل السرى، الذى يتضمن ما أسماه الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بطرس بطرس غالى» «العنف الخفى والمفاجئ»، هو السمة المميزة لأسلوب «مودى» فى منصبه القيادى. فمنذ أن كان مودى رئيسا لوزراء ولاية غوجارات، عندما قيل إنه تجاوز مجلس وزرائه ليعمل بصورة كاملة مع مجموعة موثوق بها من المسئولين غير المنتخبين، وهو يُظهر ثقة أكبر فى البيروقراطيين أكثر من السياسيين.
ولا تشكل أى من القيود المعتادة للنظام البرلمانى حاجزا أمام مودى. فهو يتمتع بأغلبية قوية فى مجلس النواب فى البرلمان فى الهندى، لذا فهو لا يحتاج إلى إضاعة الوقت فى عقد الصفقات التشريعية. ويقال إن اجتماعات مجلس وزرائه كانت قائمة على اتصالات أحادية وقرارات تنازلية؛ إذ يقدم الوزراء عروضهم ومقترحاتهم عند الطلب، ولا يتحدون أبدا موقف رئيس الوزراء. ولا يمارس الوزراء القلائل من الأحزاب المتحالفة أى سلطة تُذكر، كما يعلمون أنه يمكن الاستغناء عنهم لأن «مودى» لا يعتمد عليهم فى الحفاظ على سيطرته على البرلمان.
وفى الواقع، يُظهر مودى ازدراء مستترا للمعارك التشريعية؛ إذ أظهر فى ولاية غوجارات، أنه لا يُقَدر أغلبيته التشريعية إلا بقدر ما تدعم سلطته التنفيذية وتضفى عليها الشرعية؛ وإلا فإنه لا يحتاج إلى السلطة التشريعية، إلا فى المهمة الحتمية المتمثلة فى إقرار الميزانيات والموافقة على القوانين.
وتراجع عدد الاجتماعات البرلمانية تراجعا حادا فى عهد «مودى» حتى قبل أن يؤدى الوباء إلى اختصار جلسات كاملة. وعندما يجتمع مجلس النواب الهندى، كثيرا ما تمرَر مشاريع القوانين فى دقائق، دون أن تخضع لتدقيق من لجنة برلمانية أو أن تناقش بجدية. إن أسلوب «مودى» الحديدى فى البرلمان يجعل الحجج المؤيدة لوجود نظام رئاسى حقيقى واضحة بجلاء: إن فصل السلطات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أصبح ضروريا فى الهند أكثر من أى وقت مضى.
• • •
ليس البرلمان المؤسسة الوحيدة التى قوضتها حكومة «مودى». فعندما تولى هذا الأخير منصبه فى عام 2014، وعد بـ«الحد الأدنى من الحكومة، والحوكمة القصوى». لكنه قدم العكس: سيطرة حكومية يعتبرها الكثيرون سلطوية، ومركزية صنع القرار إلى درجة لا تُمكن الوزارات، وأسلوب إدارى يعكس شخصيته المبهرجة. واتهم الكثيرون حكومة «مودى» بتخريب مؤسسات مثل بنك الاحتياطى الهندى، ولجنة الانتخابات، ومكتب التحقيقات المركزى، والقضاء، ومحاولة تقويض وسائل الإعلام من خلال الهجمات المختلفة على حرية التعبير.
ويشبه أسلوب «مودى» أسلوب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان. فإلى جانب توجهاته الاستبدادية، فإنه يؤكد على الهوية الدينية وتهميش الأقليات، ويصور المواطنة العالمية العلمانية، والقومية المفرطة على أنهما أيديولوجيات شيطانية. وكل هذا يمكَن من خلال الصورة المبالغ فيها التى تُظهره على أنه «الرجل الذى ينجز المهام المنوطة به».
وربما كان «مودى» يرغب فى إعادة تشكيل الهند بالطريقة التى غير بها أردوغان تركيا. ولكن فى حين أن نجاح أردوغان الأولى كان قائما على النمو الاقتصادى القوى، فقد أساء مودى إدارة الاقتصاد الهندى. إذ تسببت شيطنته الكارثية فى إزالة أكثر من نقطتين مئويتين من نمو الناتج المحلى الإجمالى، وخلال ولايته سجلت الهند بعضا من أعلى مستويات البطالة وأدنى معدل مشاركة فى القوى العاملة على الإطلاق. وفى الآونة الأخيرة، لم يتمكن مودى من السيطرة على ارتفاع معدل التضخم.
ومع تخليد الهند للذكرى 75 لحصولها على الاستقلال، التى تتزامن مع انطلاق ولاية تاسعة لمودى فى منصب رئيس الوزراء، لا يزال يتمتع بشعبية عالية، وبجهاز انتخابى هائل، وبمعارضة منقسمة، ولا يزال يحظى بدعم متعصبين على أهبة الاستعداد. إن نجاحه فى حشد السلطة السياسية لا يرقى إليه الشك، لكن قدرته على استخدامه لصالح الغالبية العظمى من الهنود لا تزال موضع شك كبير.
النص الأصلى: