نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، يقول فيه إن أهمية الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران لتبادل السجناء والإفراج عن ودائع إيرانية مُجمدة، يكمن في كونه مقدمة لما بعده. إذ يبقى التوصل إلى تفاهم نووي محتمل في مقابل تخفيف بعض العقوبات الأميركية هو الهدف المرجو للطرفين... نعرض من المقال ما يلي.بعد كف يد المبعوث الأميركي المعني بالملف الإيراني روبرت مالي ومنحه إجازة مفتوحة للتحقيق معه في ما إذا كان سرّب معلومات حساسة في إطار وظيفته، ساد الاعتقاد بأن المفاوضات الأميركية-الإيرانية غير المباشرة قد توقفت.
الإعلان عن صفقة تبادل السجناء تشي بالعكس، وتفيد بأن الاتصالات عبر القنوات الخلفية لا تزال ناشطة ومتعددة من سلطنة عُمان إلى قطر وسويسرا، للتوصل إلى تفاهم نووي يتضمن تجميد تخصيب إيران لليورانيوم في مقابل تخفيف بعض العقوبات الأميركية.
والملاحظ أنه في الأشهر الأخيرة، خفتت إلى حد كبير الاحتكاكات بين الفصائل المتحالفة مع إيران والقوات الأميركية في العراق وسوريا. وكأن في الأمر تهدئة غير معلنة.
فهل يمكن وضع اتفاق تبادل السجناء وتراجع الاحتكاكات الإقليمية في سوريا والعراق وإبطاء تخصيب اليورانيوم والإفراج عن ودائع مجمدة، في غير خانة القول إنه من مُقدمات تُمهّد للوصول إلى تفاهم "نووي" في نهاية المطاف. ومن أبرز الدلائل على ذلك، مخاوف أبداها المسئولون الإسرائيليون من احتمال التوصل إلى "تفاهمات أوسع" بين إيران وأميركا، مع تكرار معارضتهم الشديدة لهذا الأمر.
الرئيس الأميركي جو بايدن استبق الاعتراضات الإسرائيلية على سياسته حيال إيران، بسلسلة من الإجراءات الرامية إلى القول بأن واشنطن تقارب الملف الإيراني من موقع قوة وليس من موقع ضعف. وقبل أيام فقط، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية إرسال ثلاثة آلاف بحّار ومُدمرتين إلى مياه الخليج، بعدما كان تم إرسال مقاتلات إف-35 وإف-16 بهدف معلن هو ردع إيران ومنعها من اعتراض ناقلات النفط في مضيق هرمز.
على رغم أن السياسة الخارجية لا تعتبر عاملا حاسما في تقرير من سيُنتخب رئيساً للولايات المتحدة في العام 2024، فإن جو بايدن المُقبل على حملة انتخابية شرسة ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، بدءا من نهاية السنة الحالية، يهمه أيضا أن يخرج بتفاهم معين مع إيران، بسبب صلة هذه المسألة بإسرائيل. ويريد القول للناخبين الأميركيين إنه تمكن من منع قيام إيران نووية بالطرق الديبلوماسية، ولم يضطر إلى خوض غمار حربٍ أخرى في الشرق الأوسط.
في منطقة تتسارع فيها الأحداث وتتبدل الأدوار، يبرز سؤالٌ ملحٌ، هل تفتح صفقة تبادل السجناء والإفراج عن الأرصدة الإيرانية الطريق أمام تفاهم على الملف النووي، يفتح بدوره الطريق أمام تشكل جديد للشرق الأوسط؟
قبل أشهر، كان يقال إن اتفاق بكين أحدث صدمة جيوسياسية في المنطقة، وجعل الصين لاعباً رئيسياً في تقرير شؤونها والمساعدة على حل قضاياها الساخنة.
الآن، يتبين أن هذا الإتفاق فقد الكثير من قوته الدافعة، بعدما إقتصرت مفاعيله على عملية التطبيع الثنائي بين الرياض وطهران، دون إنعكاس يذكر على الملفات الإقليمية، من اليمن إلى سوريا ولبنان، إلا إذا كانت عملية تفريغ حمولة الناقلة “صافر” المهترئة قبالة شواطىء مدينة الحديدة في شمال اليمن بمثابة إنجاز يُعزى إلى إتفاق بكين أكثر منه إلى إستشعار الجميع نُذُرَ كارثة بيئية. لماذا لم تستكمل مثلاً عملية تبادل الأسرى أو الشروع في مفاوضات حول تسوية سياسية دائمة تبدأ بإعلان وقف إطلاق النار.
وبالنتيجة لم يكن لإتفاق بكين أي أثر في سوريا أو في لبنان برغم الأزمتين المتماديتين في البلدين.
هذا يحمل على التساؤل، حول ما إذا كان هذا النوع من الأزمات في المنطقة ينتظر أيضاً التفاهم الأميركي-الإيراني المحتمل لإعادة ترسيم المنطقة، حيث أخفق إتفاق بكين حتى الآن؟
في سياق المواجهة الأشمل بين أميركا والصين، يجب ألا ننسى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يبدو أميناً على تطبيق مقولة لينين: خطوة إلى الأمام.. خطوتان إلى الوراء.
النص الأصلي: