بل قانون لمكافحة تهريب المهاجرين
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
الأحد 13 سبتمبر 2015 - 7:55 ص
بتوقيت القاهرة
أعلنت الصحافة على الناس يوما بعد آخر فى الأسبوع الأخير، أن اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، قد وافقت على مشروع بقانون «لمكافحة الهجرة غير الشرعية»، موحية بالسمو الأخلاقى لأغراض المشروع، مشيرة إلى ما صرحت به «مصادر حكومية» من أن اتجاه الدولة لسن هذا القانون يقصد سد فجوة تشريعية «بما يحقق التزامات مصر فى مجال حقوق الإنسان». يلفت النظر تركيز المروجين لمشروع القانون والصحافة على مكافحة «الهجرة غير الشرعية» وإسقاطهم بقية اسم القانون وهو «تهريب المهاجرين»، فمشروع القانون اسمه الكامل، على ما يبدو من ذكر عابر له، هو «مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين».
غير أن ثمة تعليقات واجبة على مشروع القانون اعتبارا من اسمه مرورا بموضوعه ووصولا إلى أسباب سنِه. مكافحة «الهجرة غير الشرعية» اسم يدعو للأسف، «فالهجرة غير الشرعية» يترتب عليها وجود «مهاجرين غير شرعيين»، فكيف يمكن أن يكون مهاجر أى شخص من الأشخاص، غير شرعي؟ المقصودون بهذه العبارة وجودهم فى الحياة مشروع تماما سواء بقوا فى بلادهم أو هاجروا منها. ثم أن مصر ينتظر منها فعلا الوفاء بالتزاماتها الدولية. فى سنة 1975، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3449 الذى عبرت فيه الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية عن رجائها أن تستخدم أجهزة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة المعنية فى وثائقها الرسمية عبارة «العمال المهاجرين غير المزودين بوثائق أو المخالفين للأنظمة» لتعريف أولئك العمال الذين يدخلون بلدا آخر بصورة غير مشروعة أو خلسة أو بكلتا الطريقتين للحصول على عمل فيه».
***
هذا القرار اتخذ بتوافق آراء الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة ومنها مصر التى لم يتحفظ وفدها فى الجمعية العامة على أى من فقرات القرار الأربعة. والأهم من هذا القرار هو الالتزام القانونى الواقع على مصر بمقتضى «الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم» المعتمدة سنة 1990. الفقرة «ب» من المادة الخامسة فى هذه الاتفاقية، تنص على أنه «يعتبرون غير حائزين للوثائق أو فى وضع غير نظامى» أولئك العمال المهاجرون الذين لم يؤذن لهم «بالدخول والإقامة ومزاولة نشاط مقابل أجر فى دولة العمل بموجب قانون تلك الدولة وبموجب اتفاقات دولية تكون الدولة طرفا فيها». المقصود هو أن هذه الاتفاقية الدولية الملزمة لأطرافها تستخدم عبارة العمال المهاجرين غير الحائزين للوثائق أو الموجودين فى وضع غير نظامى، والذين يمكن إطلاق مصطلح العمال المهاجرين غير النظاميين عليهم اختصارا، وهى تمتنع تماما عن استخدام عبارتى «العمال المهاجرين غير الشرعيين» «والهجرة غير الشرعية». الدول التى تفاوضت على الاتفاقية واعتمدتها، ومنها، مصر التزمت بنص قرار الجمعية العامة رقم 3449. ومصر ليست طرفا فى الاتفاقية فقط، بل هى أول دولة صدقت عليها، وهو ما يحسب لها، فى سنة 2003! وبعد ذلك كله تصر الحكومة على استخدام عبارة «الهجرة غير الشرعية».
ثم إنه بشأن الموضوع، قراءة الاتفاقية تفيد بأنها بشأن «مكافحة تهريب المهاجرين» وليس بشأن الهجرة، «غير نظامية» كانت أو «غير شرعية». المادة الأولى من مشروع القانون تنص على أن الجريمة هى «جريمة تهريب المهاجرين غير الشرعيين». أول ما يقال عن هذه العبارة أن صياغتها معتلة. حتى إذا قبلنا فرضا عبارة «المهاجرين غير الشرعيين» فهى فى غير محلها هنا. «غير الشرعية» تكون نتيجة للتهريب وهى ليست مستقلة عنه. المهاجر مهاجر وهو لا يصبح غير نظامى «غير شرعى فى عرف الحكومة» إلا عندما يدخل البلد المقصود فعلا بدون إذن منها. فإن تجاوزنا عن ذلك، فإننا سنجد أن مشروع القانون ليس منصبا على الهجرة غير النظامية. عبور البحر المتوسط فى زوارق ثم الدخول إلى بلد بدون إذن منها ليس إلا سببا فى نسبة ضئيلة من الهجرة غير النظامية التى تصر الحكومة على أن تطلق عليها «غير الشرعية».
السبب الأول فى هذا الشكل من أشكال الهجرة هو البقاء فى البلد والإقامة فيه بعد انقضاء فترة تأشيرة الدخول السياحية. والسبب الثانى هو مزاولة العامل المهاجر لنشاط اقتصادى مقابل أجر بدون إذن من دولة العمل. هذا السبب ينطبق على كل من يمارس عملا فى الاقتصاد غير المنظم حيث يعمل كثير من المهاجرين، فى اليونان وإيطاليا مثلا، جنبا إلى جنب مع مواطنى هذين البلدين. فى الاقتصاد غير المنظم لا توجد عقود عمل، وبالتالى فلا حاجة للأجانب إلى إذن بالعمل من حكومة دولة العمل. فى هذه الحالة يمكن أن يكون المهاجر فى وضع قانونى من ناحية الإقامة المصرح بها ولكنه يعتبر مهاجرا غير نظامى لأنه يعمل فى الاقتصاد غير المنظم بدون إذن بالعمل. هل عنى مشروع القانون بهذا الشكلين الأهم بمراحل للهجرة غير النظامية؟ لا، هو لم يفعل.
***
مشروع القانون يقحم عبارة «الهجرة غير الشرعية» إقحاما على نصوص فحواها هو مكافحة تهريب المهاجرين، كما يتضح من المادة الأولى السابق ذكرها، ومن المادة الثانية التى تنص على أن «المهاجر المهرب لا يعد مسئولا جنائيا أو مدنيا عن الجريمة»، ومن نص المادة الخامسة الذى يوقع عقوبة السجن على كل من أسس أو كان عضوا «فى جماعة أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين»، ثم من المادة السادسة التى تعاقب بالسجن أو الغرامة «كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط فى ذلك». المهاجرون المصريون معرضون تماما لأن يكونوا مهاجرين غير نظاميين بسبب طبيعة اقتصادات البلدان التى يهاجرون إليها، فهل تعتبر الحكومة المصرية أن ثمة مواطنين مصريين «غير شرعيين«؟ إن كانت إضافة «الهجرة غير الشرعية» فى عنوان القانون وفى مواده ترمى إلى إظهار اهتمام الحكومة بحماية المهاجرين المحتملين من استغلال عصابات تهريب المهاجرين، فإنها فى الواقع تستهين بالمهاجرين المصريين، وبالأسباب الصعبة التى اضطرتهم إلى الهجرة فى ظروف بالغة الشدة والخطورة.
«التزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان» ليست سببا لصياغة هذا المشروع. الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين، وهى من اتفاقيات حقوق الإنسان، ترتب على الدول الأطراف فيها الالتزام بمفاهيم ومصطلحات محددة، مسقطة عبارة «الهجرة غير الشرعية» من لغة القانون الدولى لحقوق الإنسان، ونفس دول الاستقبال المتقدمة التى يقصدها المهاجرون المصريون كفت عن استخدام هذه العبارة واستبدلت بها مصطلح «الهجرة غير النظامية».
الواقع هو أن مشروع القانون هو تجسيد تريده الحكومة لالتزام مصر «ببروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو» المكمل «للاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية» المعتمدة فى سنة 2000، والاتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها من القانون الجنائى الدولى وليس من القانون الدولى لحقوق الإنسان.
***
مشروع القانون هو إضافة إلى قانون مكافحة الاتجار فى البشر الصادر فى سنة 2010، الذى كان تطبيقا لالتزام مصر «ببروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص» الملحق بنفس الاتفاقية. هل تريد الحكومة أن تضعف مواقف مواطنينا الضعيفة أصلا بدلا من أن تحاول مساندتهم فى البلدان التى هاجروا إليها؟ لا يوجد ما يبرر أن تزعم الحكومة سببا لسن القانون غير السبب الحقيقى، فليس فى السبب الحقيقى ما يشين فضلا عن أن مشروع القانون يعمد إلى استخدام مصطلحات منافية لتلك التى تفرضها «التزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان» المذكورة، وأخيرا لأن مشروع القانون فى حقيقة الأمر لا «يكافح» الهجرة التى يسميها «غير الشرعية» ولا هذا موضوعه أصلا.
التزام مصر بتطبيق الاتفاقيات الدولية التى دخلت طرفا فيها يشرِفها، ويعزز الثقة فيها ومكانتها فى النظام الدولى، ولكن الالتزام ينبغى أن يكون بنصوص الاتفاقيات وروحها، كما لا بد أن يكون واضحا فى ذهن المشرع وأن يبين للناس الاتفاقية الصحيحة التى يهدف القانون إلى تطبيقها. وعندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان فإن فى المفاهيم والمصطلحات التى تدل عليها سياجا لحماية هذه الحقوق لابد للمشرع أن يحترمه حتى يحمى المواطنين فعلا، ويكفل لهم حقوقهم.