إعادة الهيكلة المتأخرة

سلام الكواكبي
سلام الكواكبي

آخر تحديث: السبت 13 أكتوبر 2012 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

خلال أيام، سيجتمع فى الدوحة أعضاء المجلس الوطنى السورى وآخرون للبحث فى إعادة هيكلة مجلس علق كثير من السوريين آمالهم عليه ليكون بمثابة الإطار السياسى الناظم لثورتهم. وبعيدا عن خيار المكان الذى سيتلقفه الكثيرون من يساريى العرب البافلوفيين تشهيرا، يجدر النظر إلى المسار والمضمون والمآل.

 

فبعد أن انطلقت مبادرة التأسيس مصحوبة برغبة صادقة لمواكبة الحراك السورى ولاستنباط رؤى وتحشيد الدعم وإيصال الصوت، انعكست أمراض المجتمع السياسى/الثقافى السورى بكاملها على مجريات العمل (أو اللا عمل) الذى مارسته قوى سياسية وشخصيات فكرية ونضالية كان انضمامها له بمثابة ضمانة أخلاقية.

 

ومن الطبيعى ملاحظة عدد من الظواهر السلبية ناجمة عن عقود من الإقصاء عن العمل السياسى، ومن المؤكد أن الاكتفاء بالتنظير أو البحث عن منافذ متاحة عبر التبحر نظريا فى التراث أو فى الدين أو فى الحداثة، كان الإطار الوحيد للمحافظة على العقل من الضمور. ومارست النخب الثقافية المسيسة التقية الفكرية وشاركت أحيانا فى عجلة العمل الرسمى مع المحافظة على مسافة أمان من الانخراط فى الوحل السلطوى بأبعاده الأخلاقية والقمعية والمالية.

 

إن رفع الغطاء عن وعاء يغلى بمكونات متنوعة، يحمل حتما فى طياته مخاطر متعددة الأبعاد: إنها العودة من الصمت إلى القول، والانتقال من الخوف إلى التصريح، ومن التنظير إلى الفعل، ومن النأى بالذات إلى الانخراط فى العمل العام، ومن النخبوية الفكرية إلى معايشة الواقع القائم، ومن العنصرية الثقافية إلى التشاركية التعددية، ومن قناعة أيديولوجية متخشبة إلى انفتاح عقائدى، ومن تقوقع ذاتى إلى عمل جماعى، ومن عصاب الـ(أنا) إلى رحاب الـ(نحن)، ومن الاغتراب إلى التآلف، ومن الريبة إلى الثقة،... إلخ.

 

●●●

 

فى ظل هذا المناخ، اجتهد البعض فى تأسيس المكونات السياسية المتعددة كما المجلس الوطنى. واعتقد البعض خاطئا بأنه يسعى إلى إعادة إحياء مجتمع سويسرى أو سويدى تم نسيانه فى المشرق، وسعى آخرون مخطئين أيضا إلى الاعتقاد بأنهم يحيون مجتمع المدينة المنورة أو الكعبة الشريفة. نسى الجميع، أو تناسوا، بأن يتعرفوا على مجتمعهم السورى عن قرب. وأغفل الجميع، أو تغافلوا، عن معرفة حقيقة التركيبة الثقافية والحضارية والدينية لوطنهم. وضع الجميع أمنياته فى مرتبة الحسم وانبرى إلى ممارسة العمل السياسى فى ظل هذا الخطأ المنهجى الكبير.

 

عوامل محلية زعزعت الثقة بعمل المجلس وبمواقفه من حيث علاقة البعض فى أوساط المعارضة السورية، ممن لم يشارك أو لم يشرك، بمتلازمة التخوين وتوزيع مراتب الوطنية، كما السلطة. إضافة إلى ضغوط دولية عززت من تشتيت الجهود والتركيز على الاستجابة إلى مطالبات «المجتمع الدولى» والعمل الدبلوماسى. وبعيدا عن النيات، ساهمت أحيانا الشعبوية غير المؤطرة فى تعزيز الارتجالية فى المواقف وفى التصريحات. وتم إهمال الملفات ذات الأولوية للتبحر فى الخلافات التى عكست أمراض الوعاء آنفة الذكر.

 

هل سيتمكن المجلس من إنجاز عملية إعادة الهيكلة والتفعيل؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved