حتى لا يختبئ طفلك فى حقيبة السيارة


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأحد 13 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أفكر منذ أيام فيما طرحه عمر طاهر فى إحدى مقالاته بجريدة «الوطن» تحت عنوان «أن يختبئ طفلك فى حقيبة السيارة»، وكان يتحدث عن إشراك الأطفال فى هذه اللعبة السياسية غير المفهومة ووقوعهم فى شرك الكراهية التى نتبادلها يوميا مع الآخر والخوف الذى يدب فى أوصالهم من الأحداث فى الشارع ومتابعة الدم السائل. كان يتحدث عن أنه بعد أعوام سيصبح لدينا أطفال ينتمون لعائلات إسلامية تكره الجيش والشعب والشرطة التى شاركت فى قتل والده، وأطفال تعانى مما يسمى كرب ما بعد الصدمة نتيجة الهلع اليومى الذى نتعرض له.

دعونى أطرح تساؤلا: هل يجوز أصلا متابعة الأطفال لكل ما يحدث، نحن نتعامل مع الأمر بشكل سيئ، نترك أطفالنا يتابعون الأحداث اليومية ويشاهدون الصور المنتشرة على فيس بوك ويفتحون الفيديوهات.. البعض يفعل ذلك تحت مسمى التربية السياسية، والبعض يفعل ذلك بسبب الإهمال.

منذ أيام كنت أتابع صفحة ابن صديقة لى فى العاشرة من عمره، ووجدت صورا بشعة وفيديو ضباط كرداسة الذى لم أشاهده حتى الآن خوفا على صحتى النفسية.

منذ أعوام كان العاملون فى مجال الصحة النفسية للأطفال يجرون العديد من الدراسات والأبحاث على العنف فى الأفلام والبرامج الموجهة للأطفال وتأثيراتها عليهم وكانت معظم هذه الدراسات توصى بتغيير الخطاب العنيف الموجه للطفل، وأجريت دراسات عديدة حول تحليل المضمون للكارتون الموجه للأطفال.

الآن، وبعد سنوات قليلة أصبح العنف فى كل اتجاه ومتاحا ومجانيا وبمباركة الأهل. لن أتحدث مرة أخرى عن إشراك الأطفال فى اعتصام رابعة لأنه جنونى وغير قابل للمناقشة أصلا. لكن دعونى أتحدث عن إشراكهم فى حواراتنا «العنصرية». منذ أيام كنا فى زيارة أسرة تؤيد الإخوان، وكان الطفل الذى لم يتعدَ العاشرة معه «آيباد» يتيح له تنزيل الألعاب والدخول على صفحته على فيس بوك، وأثناء قراءته لآخر الأخبار وجد قريبة لهم تؤيد الجيش وتشتم فى الإخوان فانزعج جدا، وجرى نحو والده ليخبره بما كتبته قريبتهم، وإذا بالأب يدعوه إلى حذفها من قائمة الأصدقاء.

هذا الطفل تعلم أولى قيمه فى التواصل الاجتماعى، وهى سأنهى علاقتى بكل من يختلف معى ولن أفكر فيما يطرحه ولن أقبل الآخر،  فإما أن يكون معى أو ضدى.

لا تتركوا أطفالكم يشاهدون العنف، ليس من المفترض أن يمتلك طفل فى العاشرة من عمره حسابا على فيس بوك ويديره ويكون شبكة من العلاقات الافتراضية، ويقرأ أخبار الكبار، ويدخل إلى عالمهم بكل سهولة.

نحن فى مرحلة تكوين صلابته النفسية بمعنى أننا نعلمه يوميا المهارات التى سيتعامل بها مع الضغوط، لكن ما يحدث حاليا أننا نبتدع فى أشكال تعريضه للعديد من الضغوطات المختلفة والجديدة دون إكسابه أى مهارات لمواجهتها.

وأنا أقرأ مقالة عمر طاهر كنت حزينة لأننى أعرف جيدا أنه لا يمكن لآباء يحذفون أصدقاءهم ويحرضون على قتلهم أن يعلموا أبناءهم التسامح مع الآخر.. الأمل فى المؤسسات الأخرى وليس فى مؤسسة الأسرة، ربما يقابلون فى حياتهم شخصا يلعب دورا مؤثرا ويقوم بإرشاد شخصى لهم ويعلمهم قيم التسامح واحترام الآخر وقبوله.

منذ أسابيع كنت فى ورشة عمل تحضيرية لمشروع ضخم يهدف إلى تطوير ثلاث مناطق من العشوائيات، التطوير يستهدف الأهالى والأطفال، وكانت الجهات المشاركة تستعرض خطتها فى التعامل مع الأطفال والقيم التى سيكتسبونها من خلال الرياضة والمسرح والسيرك والتعليم الذى يودون للأهالى أن يكتسبوه ليتغيروا. ربما الأمل يكمن فى مثل هذه المبادرات.

لن نتغير يا عزيزى إلا إذا تعلمنا كيف نتغير، وبعضنا لن يتعلم إلا بعد خسارة فادحة تجبره على التعلم والتغيير. لم يعلم الآباء أبناءهم كيف يحترمون زملاءهم من أبناء المساجين السياسيين، إلا عندما استدعتهم مديرة المدرسة فى مجلس الآباء وشعروا بتهديد ما وخسارة دفعتهم لتغيير الخطاب الموجه لأبنائهم. الأمل مرة أخرى ليس فى الأهالى وحدهم، بل الأمل فيمن سيأخذون على عاتقهم تربية الأهالى ليقوموا بتربية أبنائهم.

باحثة نفسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved