تغريدات البرادعى
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الأحد 13 أكتوبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى أوائل النصف الثانى من القرن العشرين ذهب أحد رجال الصناعة اليابانيين إلى أمريكا لحضور اجتماع المؤسسة الأم لشركة المؤسسات العملاقة العابرة للعقارات. ويقول اليابانى إنه صدم بشدة عندما بدأ الاجتماع، وتبين له هوة الخلافات العميقة بين الأعضاء وصعق من أسلوب النقاش الحاد بل والشرس أحيانا بينهم حتى قال لنفسه لقد انهارت الشركة، فهؤلاء القوم تحولوا إلى أعداء ولن يتمكنوا من محادثة بعضهم البعض بعد ذلك أبدا، أما الصدمة الحقيقية فقد كانت بعد أن رفع الاجتماع للاستراحة فوجدهم يخرجون، وهم يتضاحكون ويربت بعضهم على ظهر بعض وقد اعتلت وجوههم سمات المودة والحميمة.
وفى نفس الحقبة.. أى فى الخمسينيات من القرن الماضى كان الزائر الأجنبى لمصر إذا سئل عن أهم ما لفت نظره فى مصر، كان يجيب: حميمة الشعب المصرى ومودته، أما الآن فقد تغير كل ذلك ويكفى أن نقرأ الإرشادات التى توجهها السفارات الأجنبية لرعاياها القادمين إلى مصر فهى مثلا تحذر النساء من الابتسام أو إبداء أى نوع من اللطف فى التعامل مع الغرباء فى الشارع لأن ذلك سيسفر على أنه دعوة لممارسة الجنس! أما الرجال فقد ملئت قلوبهم غلا من الأجانب الكفرة الذين لا يأتون لبلادنا إلا سعيا وراء نسائنا.. وامتلأت الشخصية المصرية بكثير من الجفاء والغلطة ليس فقط فى معاملتنا للأجانب ولكن فى تعامل بعضنا البعض، وقد أصبح شعار الحقبة التى نعيشها هو «سوء الظن من حسن الفِطَنْ» الكل يسىء الظن بالكل.. وهذا من أشد ما يهدد نسيج المجتمع ويتيح الفرصة للأجهزة المعادية لزعزعة الاستقرار.. وفى هذا الصدد يقول الجنرال الإسرائيلى المتعاقد عاموس بدلين الرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية إن الجهاز تمكن من اختراق عدد من الدول العربية، أبرزها مصر حيث نجح فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة ومتوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من داخل المجتمع المصرى (جريدة الأهرام يوم 4 أكتوبر 2013).
هذه الحالة المفعمة بالشك والتخوين وسوء الظن تصبح أرضا خصبة ترتع فيها الأجهزة الداخلية والخارجية وفق ما تشاء لأن المتلقى مستعد لتصديق أى شىء إذا أضاف لقناعته أو دعم وجهة نظره فقد كتب الدكتور مصطفى النجار مثلا أن خبيرا أمنيا تحدث فى إحدى الفضائيات عن اكتشاف عملاء للإخوان فى أعضاء بالكونجرس الأمريكى، وأن سيدة تعمل بأحد القطاعات المهمة بالدولة نشرت على صفحتها خبرا بلا مصدر عن الاعتراف الخطير لجورج سورس رجل الأعمال العالمى الشهير يقول فيه إن البرادعى هو القائد الفعلى الخفى للتنظيم العالمى للإخوان المسلمين (المصرى اليوم بتاريخ 30/9/2013).
وتطالعنا صفحات فيس بوك باكتشاف مفاده أن الدكتور مصطفى حجازى المستشار السياسى لرئيس الجمهورية «طلع إخوانجى»، وهذه صورته فى حديث مع الدكتور سليم العوا منذ سنتين، كل ذلك يثير الضحك الذى هو أشبه بالبكاء ولكن عندما يأتى مثل هذا الكلام من مسئول سابق فى أحد أجهزة الأمن فهو يثير التساؤلات الكبيرة خاصة عندما يحكى هذا المسئول السابق عن اجتماع عقده الدكتور البرادعى مع قيادات الجماعة فى أمستردام للعمل على تعطيل كتابة الدستور وتحريك الرأى العام لصالح الإخوان ثم يأتى خبير استراتيجى آخر فيقول إن الاجتماع كان هدفه هو ترشيح البرادعى للرئاسة وقد أكد د. البرادعى فى حديث تليفونى أن الخبر مختلق من أساسه وأنه ــ منذ غادر القاهرة ــ لم يذهب إلا إلى بيته فى فيينا ثم إلى جنوب فرنسا ليلحق بأسرته التى تقضى إجازتها الصيفية هناك وأنه امتنع عن الإدلاء بأى تصريحات أو لقاءات إعلامية بالرغم مع العروض الكثيرة، التى تلقاها من كبريات المؤسسات العالمية، ومع ذلك فوجئ بكم من المقالات والأعمدة الصحفية التى لا هم لها إلا الاغتيال المعنوى، بل إن هناك برامج تليفزيونية صباحية جعلت من موضوع البرادعى مادة يومية.
إذن فالبرادعى هو القائد الخفى للتنظيم العالمى للإخوان (فى عهد مبارك كان البرادعى شيعيا وأطلقت عليه الصحافة الرسمية لقب آية الله العظمى) لقد أعجبنى عنوان مقال للدكتور مصطفى النجار عن «أهبلة الدولة» (من الهبل) فقد وصل اللامعقول إلى حد يهدد فعلا بالانجراف نحو وضع يسلب العقلاء عقولهم ويجعلهم يصلون لهذا المستوى المتدنى للإدراك»، فكيف بالله عليكم يكون محمد البرادعى إخوانيا وقد شارك ودعم ترتيبات ما بعد 30 يونيو و3 يوليو، وشارك فى وضع خارطة المستقبل وكان وقوفه بجانب الفريق السيسى فى اليوم الأول رسالة دعم قوية للتغيير موجهة للعالم الخارجى، كيف يكون البرادعى إخوانيا وقد لقى منهم ما لقى حتى وصل إلى إهدار الدم وقد قال فيه د. عصام العريان ما قال مالك فى الخمر، كيف يكون البرادعى إخوانيا وقد هاجم الإخوان حتى فى كتاب استقالته الذى أشار فيه إلى الجماعات التى تتخذ من الدين ستارا وإلى تفسيراتها المشوهة للدين، وأن السنة التى حكم فيها الإخوان تعد من أسوأ الأعوام التى مرت على مصر.
البرادعى له رأى ورؤية، قد تتفق أو تختلف معها، وهى أن أمن هذا البلد واستقراره وتقدمه لا يتحقق إلا من خلال التوافق الوطنى وإقامة الدولة المدنية وعدم الزج بالدين فى السياسة.
إلا أنه يبدو أننا وصلنا إلى حالة لا يمكن تصور أن يكون لك موقف معارض للإسلام السياسى ومنتقد لسياسات الإخوان وفى نفس الوقت تنتقد الطريقة التى تم فض الاعتصام بها فإن فعلت فأنت إخوانى حتى النخاع بشهادة سوراس نفسه.
يا دكتور برادعى لقد حيرت الناس فإما أنك إخوانى تسب الليبراليين على طول الخط وأما ليبرالى تسب المتأسلمين على طوال الخط، أما أنك تنتقد سياسات الإخوان ثم تطالب بإفساح المجال لهم للعمل السياسى أو إن تهاجم فساد نظام مبارك وتكون المعول الأول فى إقتلاع نظامه ومع ذلك تطالب بعدم حرمان ثلاثة ملايين مصرى من أعضاء الحزب الوطنى من المشاركة فى شئون وطنهم.. يوما تؤيد ثورة 30 يونيو بقوة وتعطيها القبول العالمى ثم تستقيل احتجاجا على الاستخدام المفرط للقوة.. ما هكذا تكون الديمقراطية المصرية.
كاتب ومحلل سياسى