تسع ملاحظات على هامش طوفان الأقصى

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

قبل 7 أكتوبر الجارى، لم يكن من المتصور أن يحمل شهر أكتوبر مزيدا من الصدمات للكيان الصهيونى، فطيلة 50 عاما منذ حرب أكتوبر 1973 لم تجر عملية بهذه الخطورة تزعزع أمن إسرائيل من الداخل. ولذلك استحوذت عملية طوفان الأقصى التى أطلقتها المقاومة الفلسطينية على الاهتمام المحلى، والإقليمى والعالمى، حتى إن حرب أوكرانيا توارت عن الأنظار وكأنها لم تكن. وفى ظل هذا التحول نشير إلى تسع ملاحظات حول تداعيات وسيناريوهات عملية طوفان الأقصى.
• • •
الملاحظة الأولى، أن إسرائيل تفعل كل ما بوسعها لتمحو الصورة التى رسمتها المقاومة فى بداية عملية طوفان الأقصى، لكى لا تترسخ صورة المقاومة التى تتوسع مقابل الانكماش أو الانكسار الإسرائيلى. ولذلك لا تنقطع الغارات الجوية التى تدك أحياء بأكملها داخل غزة منذ بداية رد الفعل الصهيونى وحتى كتابة هذه السطور.
• • •
الملاحظة الثانية، أن المقاومة الفلسطينية ما زالت فاعلة، وتطلق الصواريخ نحو كبرى المدن الإسرائيلية، لاسيما تل أبيب، وحيفا، حتى اعتدنا على مشاهد فرار الإسرائيليين إلى الملاجئ، والتى من ضمنها مشهد لهرولة وزير الخارجية البريطانى، الذى يزور إسرائيل، إلى الملجأ لكى يحتمى من صواريخ حماس. وهذا بالإضافة إلى تضارب الأنباء الخاصة بالسيطرة على الغلاف الحدودى لقطاع غزة. فمن ناحية، يؤكد جيش الاحتلال الإسرائيلى استعادة السيطرة، ومن ناحية ثانية تفاجئنا تصريحات أخرى لنفس الجيش عن التصدى لمجموعات من القوات الخاصة للمقاومة الفلسطينية فى عسقلان، وسديروت، وغيرهما، ما يعنى أن مسألة إحكام الحصار حول غزة ليست مؤكدة.
• • •
الملاحظة الثالثة، أنه بالرغم من قطع الصهاينة لسبل الحياة من ماء، وكهرباء، ووقود عن قطاع غزة لكن لم تنقل القنوات الإخبارية عن الشعب الفلسطينى المحاصر غضبه من المقاومة، بعكس الصورة التى تنقلها عن الجمهور الإسرائيلى الذى يلوم حكومة نتنياهو على الوضع الذى تمر به إسرائيل.
• • •
الملاحظة الرابعة، أن إسرائيل تعمل على تحويل هزيمتها الاستراتيجية إلى مكسب، عن طريق الضغط على الشعب الفلسطينى للخروج من قطاع غزة واللجوء إلى سيناء. ولذلك استدعت 300 ألف، أو ثلثى قوات الاحتياط لديها لحصار غزة بعملية السيوف الحديدية. ولكن لا الفلسطينيات والفلسطينيون يريدون الخروج، ولا مصر ستسمح بتضييع القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية لاجئين ولاجئات فى مخيمات خارج فلسطين، وحتى عندما طالبت القاهرة كلا من تل أبيب وواشنطن بفتح ممرات آمنة لخروج الفلسطينيين، فإن مصر حولت الفكرة إلى ممرات لدخول المساعدات إلى المحاصرين فى قطاع غزة. ولا يعنى هذا أن محاولات إسرائيل فى هذا الصدد ستنتهى، ولكن هذا الموقف يكشف عن قدرة مصر المستمرة على إفشال هذا المسعى.
• • •
الملاحظة الخامسة، أن إسرائيل تتحسب لمفاجأة استراتيجية من العيار الثقيل، وهى دخول حزب الله بقواته إلى أتون الحرب. فلقد بدأت المناوشات الخفيفة نسبيا عبر الحدود اللبنانية، ولكنها تعد هامشية مقارنة بما يجرى فى غزة. ويبدو أن حزب الله يرهن مسألة تقدمه وفكرة وحدة ساحات المقاومة، وفتح جبهة جديدة على مسألتين؛ الأولى، تدخل إسرائيل بريا فى غزة، والثانية الضوء الأخضر من إيران. وبالرغم من التصريحات الصهيونية العنترية عن استعدادهم للتعامل مع جميع الجبهات فى وقت واحد، فإن دخول حزب الله يغير المعادلة، لأنه يفتح جبهة أوسع بكثير من جبهة غزة، ما يتطلب استدعاء الثلث الأخير فى قوات الاحتياط، ويشل الاقتصاد الإسرائيلى. علما بأن حزب الله يستطيع خوض حرب طويلة.
• • •
الملاحظة السادسة، أن إيران لن تهرول لتوسيع المواجهة مع إسرائيل، بل تريد أن تستنزف وتضعف إسرائيل بالتدريج إلى آخر فلسطينى، ولبنانى، قبل أن تدخل هى فى أى مواجهة، هذا لو دخلت من الأساس.
• • •
الملاحظة السابعة، أن كل ما تخطط له الولايات المتحدة فى المنطقة دائما ما يسفر عن فشل. فالمسار الإبراهيمى أصبح مسارا إبليسيا، وتحولت مسألة التطبيع الإسرائيلى السعودى من فتح كبير لإسرائيل على العالم العربى والإسلامى، إلى عزلة كبيرة للسعودية عن العالم العربى والإسلامى إذا أقدمت على التطبيع بعد طوفان الأقصى. ثم اضطرت واشنطن لتحويل بعض الدعم العسكرى لأوكرانيا وتحويله إلى إسرائيل، وتعزيز وجودها فى شرق المتوسط عبر إرسال حاملة للطائرات، وتفكر فى إرسال ثانية، وكل هذا يأتى لصالح روسيا التى تستغل تراجع الغرب عن تقديم الدعم لأوكرانيا، ناهينا عن العملاق الصينى الذى يراقب عن قرب ويدرس اختياراته واحتمالاته فى تايوان.
• • •
الملاحظة الثامنة، أن الاتحاد الأوروبى الذى أخذ موقفا متشددا وأراد تعليق كل مساعداته للشعب الفلسطينى، عاد وتحول موقفه فى أيام قليلة، ثم تحولت نوعا ما تصريحاته إلى حث إسرائيل على عدم التصعيد ضد المدنيين. لاحظ هنا أن بريطانيا ليست فى الاتحاد الأوروبى، وتصريح رئيس وزرائها، ريشى سوناك، الذى قال فيه «نرفض المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين عند تقييم تصرفاتهما» لا تعبر عن موقف أوروبى، ولكن موقف بريطانى منفرد. هذا التراجع الأوروبى يؤكد على أن رد فعل إسرائيل الوحشى ضد الشعب الفلسطينى أفقدها جزءا من التأييد الغربى.
• • •
الملاحظة التاسعة، أن الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، التى أدانت هجوم حماس، تدين بنفس القدر رد فعل إسرائيل الوحشى، وهو ما يؤكد أن الضمير الإنسانى العام لا يستطيع مجاراة مستوى الولايات المتحدة فى الكيل بمكيالين، وله حدود لا يستطيع تجاوزها إلا لو فقد بصيرته تماما.
• • •
يبدو من هذه الملاحظات أن أكبر المستفيدين هم روسيا وإيران، وأكبر المرتبكين هم إسرائيل والولايات المتحدة. كما يبدو أن الشعب الفلسطينى يدفع ثمنا باهظا، وقد تتأثر قضيته سلبا فى حال عدم صمود غزة أمام الاجتياح البرى المتوقع من جانب إسرائيل. وما زالت احتمالات توسع المواجهة أكبر من احتمالات حصرها، كما يبدو أن أمد الأزمة أطول بكثير من أمد المواجهة، وأن تداعياتها أعمق من المتصور فى الوقت الراهن. فبمجرد هدوء المعارك، ولا نقول نهاية الحرب، فإن الداخل الإسرائيلى سيشتعل ضد حكومة اليمين التى وصلت بإسرائيل إلى حافة الانهيار الداخلى، والداخل الفلسطينى سيقيم ما قامت به المقاومة من مكاسب أو خسائر تبرر التداعيات التى حلت بالقضية الفلسطينية. وفى سياق متصل، وبالرغم من أن الجوار المحيط بإسرائيل الذى مضى قدما فى مسار السلام الإبليسى لن يقوم بعمل مراجعة لموقفه من التطبيع، فإن عزلة الدول التى مضت فى هذا المسار ستزداد، لاسيما بعد تصريحات الإمارات التى أدانت الهجوم على إسرائيل.
الشاهد أن فى كل مرة يظن البعض أن القضية انتهت، فإنها تعود وتفرض نفسها على الجميع. وفى كل مرة تحاول إسرائيل تغيير الواقع وفرض إرادتها، فإن الواقع يستعصى عليها وتعود للوراء سنوات، وفى كل مرة يتحول اهتمام الولايات المتحدة بعيدا عن الشرق الأوسط، فإن الأحداث تعود بها مجبرة، ما يعطى ميزة نسبية لروسيا والصين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved