الحرب في غزة.. حقائق لا تقبل المساومة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
فى لحظة كالتى نمر بها اليوم والحرب فى غزة تسقط المزيد من الضحايا المدنيين وترتفع كلفتها الإنسانية ويتصاعد دمارها، ثمة حقائق لا ينبغى أبدا تجاهلها أو الخوف من التعبير عنها.
• • •
أولا، كل اعتداء على أشخاص مدنيين فى إسرائيل وفلسطين مدان ويعد من جرائم الحرب وأعمال الإرهاب، إن إرهاب دولة أو إرهاب حركة. يدعى الجيش الإسرائيلى أنه يمارس حق الدفاع الشرعى عن النفس، بينما هو جيش احتلال فى الضفة الغربية والقدس الشرقية وجيش احتلال وسفك دماء ودمار وحصار فى غزة. تمنع إسرائيل المياه والكهرباء والغذاء وتحول دون وصول المساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليونين من الفلسطينيات والفلسطينيين، وتتنصل بذلك من مسئوليتها كسلطة احتلال يلزمها القانون الدولى بالحفاظ على الأرواح والممتلكات. أما حماس، فتخلط بين أعمال المقاومة الشرعية للاحتلال الجاثم على أرض فلسطين وبين ممارسة العنف بحق المدنيات والمدنيين الإسرائيليين وجرهم إلى أتون الحرب على نحو يحد من عدالة قضية فلسطين ويفقدها الكثير من التعاطف الإنسانى مع مصاب شعب تمارس ضده ومنذ عقود طويلة كافة صنوف القتل والتشريد والاضطهاد والفصل العنصرى وتنتهك حقوقه فى الحياة والأمن وتقرير المصير من قبل آلة العنف الممنهج للمحتل. ومثلما ستظل المشاهد المروعة للقتل والدمار ولجرائم الاحتلال فى غزة عالقة فى الأذهان لفترة طويلة، ستظل أيضا مشاهد قتل وخطف المدنيات والمدنيين فى إسرائيل حاضرة فى الفضاء العام العالمى وقابلة للتوظيف المشروع للحصول على تعاطف إنسانى مستحق مع المجتمع الإسرائيلى وللتوظيف غير المشروع لتمرير وتبرير جرائم الاحتلال ونزوعه الطاغى للانتقام.
ثانيا، لم تكن الحرب الراهنة بين إسرائيل وبين حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى، شأنها هنا شأن كافة الحروب السابقة، لتشتعل لولا استمرار الاحتلال والاستيطان فى الضفة والقدس وتواصل الحصار على غزة وبقاء الظلم التاريخى للشعب الفلسطينى الذى حرم من حق تقرير المصير والدولة المستقلة وترك لممارسات العنف الإسرائيلى الممنهج ولسياسات الفصل العنصرى دون حماية دولية أو اعتراف عالمى قاطع بشرعية مقاومته للاحتلال أو أفق لحلول عادلة قريبة الأمد. الأصل فى الأمر، إذا، هو فعل الاحتلال والاستيطان والحصار والفصل العنصرى الصادر عن إسرائيل منذ تأسيسها، وليس رد فعل الشعب الفلسطينى ومقاومته للمحتل. الأصل فى الأمر، إذا، هو العنف الممنهج والمستمر للاحتلال ضد الفلسطينيات والفلسطينيين الذين يقتلون ويشردون ويعاقبون جماعيا وتهدم بيوتهم وتنزع ملكياتهم ويطردون من أراضيهم لكى تتسع رقعة الاستيطان على مدار العقود الماضية، وليس رد فعل حماس وفصائل أخرى لها حق مقاومة الاحتلال بأدوات عسكرية حال غياب الأدوات السلمية والتفاوضية وتحيد عن الحق المشروع وتلحق الضرر بقضية فلسطين حين تقتل وتعتدى على المدنيات والمدنيين فى إسرائيل.
• • •
ثالثا، لم تكن الحرب الراهنة بين إسرائيل وبين الشعب الفلسطينى لتنفجر لولا التطرف المقيت الذى تعاملت به حكومات اليمين الإسرائيلى مع حق فلسطين فى تقرير المصير والدولة المستقلة. لم ترغب حكومات اليمين المتعاقبة سوى فى التنصل التام من الحق الفلسطينى بتفتيت الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال بناء المزيد من المستوطنات وبترويع الناس عبر اعتداءات المستوطنين المتطرفين وبإهانتهم يوميا وهم يشاهدون مقدساتهم يعتدى عليها وبحصار غزة وعقاب أهلها جماعيا. انقلبت حكومات اليمين على مبدأ التسوية السلمية وفقا لقاعدة «الأرض مقابل السلام»، وانسحبت من كافة أشكال التفاوض مع الحكومة الفلسطينية برئاسة محمود عباس باستثناء مفاوضات التنسيق الأمنى، وسعت إلى تصفية قضية فلسطين. بل عملت هذه الحكومات (والتى قاد عددها الأكبر بنيامين نتنياهو) على تجاهل فلسطين وحق تقرير المصير والدولة المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، وهى الأسس التى استندت إليها مبادرة السلام العربية فى ٢٠٠٢ كشروط للتطبيع العربى مع إسرائيل، عملت على تجاهلها والوصول إلى الانفتاح على العرب عبر اتفاقيات تطبيع ثنائية (المعاهدات الإبراهيمية) إمعانا فى تصفية القضية الفلسطينية وترك الشعب الفلسطينى تحت رحمة مزيج الاحتلال والاستيطان والحصار والفصل العنصرى والاعتداءات العسكرية المتكررة على غزة والعنف المستمر فى الضفة والقدس (وليست هوارة ببعيد).
رابعا، لم تكن الحرب الراهنة لتحدث ولا لتحصد كل هذه الأرواح البريئة وتسبب كل هذا الدمار لولا غياب الأفق السياسى لحل سلمى يضمن الحق الفلسطينى والانسحاب من الأراضى العربية المحتلة فى ١٩٦٧ ويعطى إسرائيل الأمن والاندماج الإقليمى. وتقع مسئولية الغياب على التطرف المتصاعد لحكومات اليمين الإسرائيلى، وعلى القوى العظمى التى تجاهلت قضية فلسطين وابتعدت عنها، وعلى القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط التى انشغلت إما بنزاعاتها البينية أو بالتطبيع الثنائى مع إسرائيل أو بقضاياها الداخلية. تركت القوى العظمى إسرائيل تمارس عنفها الممنهج والفصل العنصرى دون محاسبة، وتركت الشعب الفلسطينى لمصيره الصعب مع تقديم بعض المساعدات الإنسانية، وتفاعلت مع قضايا الشرق الأوسط الأخرى بحثا عن النفوذ. أما القوى الإقليمية، فانصرفت عن فلسطين هى أيضا أو اكتفت ببيانات التضامن والتنديد حين كانت ضرورية أو سارت على دروب التطبيع الثنائى مع إسرائيل غير عابئة بتصفية القضية. واليوم، وبعد اشتعال الحرب تعود الولايات المتحدة والقوى الغربية لانحيازها المطلق لإسرائيل، وروسيا والصين إلى الدعوة غير الفعالة إلى تسوية سلمية، وبلدان كالهند إلى مواقف متعجلة وغير متوازنة. ويكتفى العدد الأكبر من القوى الإقليمية بالبيانات المعتادة وغير الفعالة.
• • •
خامسا، فى المحيط العربى تبتعد عن السلبية الدبلوماسية الأردنية والقطرية فى محاولة للوساطة لوقف التصعيد والتفاوض بشأن صفقات محتملة لتبادل الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين وإدخال مساعدات إنسانية لغزة. وتبتعد عن السلبية أيضا الدبلوماسية المصرية التى تعمل على تجنيب أهل غزة المزيد من القتل والدمار وعلى وقف فورى للتصعيد ــ وحكومة الحرب فى تل أبيب متعطشة للدماء ــ وعلى فتح الباب بعد انتهاء الحرب أمام العودة إلى مفاوضات سلام على أساس حل الدولتين الذى يعطى إسرائيل الأمن وفلسطين الدولة المستقلة.
سادسا، تعى مصر الرسمية والشعبية خطورة الحديث الأمريكى والإسرائيلى المتواتر خلال الأيام الماضية عن فتح ممرات آمنة لأهل غزة لمغادرة القطاع إلى سيناء لكيلا يسقط المزيد من الضحايا المدنيين. تدرك الحكومة وكذلك مكونات المجتمع المدنى فى مصر خطورة مثل هذا الحديث الذى يشكل تجاوزا سافرا ومرفوضا بحق السيادة الوطنية، ومحاولة لمكافأة إسرائيل على جرائم الحرب وممارسات العقاب الجماعى التى ترتكبها بحق غزة بتمريرها عبر حديث الممرات الإنسانية الآمنة وتحميل مصر المسئولية ظلما إن لم تقبل، ومسعى جديد لتصفية القضية الفلسطينية بتعريض أهلها لمزيد من التهجير وفقدان الأرض. ولا يعنى الرفض الرسمى والشعبى هنا عدم اهتمام مصر بحماية أهل غزة وتجنيبهم المزيد من ويلات الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة لهم عبر معبر رفح والتى تعوقها السلطات الإسرائيلية.