دور المجتمع المدنى فى الرعاية الصحية

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الأحد 13 أكتوبر 2024 - 6:20 م بتوقيت القاهرة

فى العشرية الأخيرة من تاريخ نظامنا الصحى كان معظم مقالاتنا فى جريدة الشروق وكثير مما نكتبه فى أماكن أخرى وأنشطة ندعو إليها بغرض المشاركة فى وضع سياسات صحية إصلاحية منصفة من مدخل الحق فى الصحة  كممثلين   للمجتمع المدنى فى المبادرة المصرية، وجماعات الدفاع عن الصحة الأخرى، كما حدث فى مشاركتنا فى وضع المادة 18 فى الدستور المصرى عام 2014، وفى وضع قانون التأمين الصحى الشامل فى عام 2018، وغيرهما من التشريعات الصحية الإصلاحية التى تمثل دورا للمجتمع المدنى فى المشاركة المؤثرة وتعتبر من قصص النجاح.

كانت تلك الكتابات والأنشطة أيضا تدور حول عدة محاور أساسية نراها تحديات كبرى، لم يتم التعامل معها بالجدية المطلوبة وبالعمق الكافى لمفاهيمها الصحيحة التى أكدها الدستور المصرى فى المادة 18، وخطة مصر للتنمية المستدامة 2030، وقانونها الصحى الأساسى الذى يتمثل فى فلسفة التأمين الصحى الشامل، ومفاهيم الحق فى الصحة.

هذه المحاور ركزت على دور الشراكة بين النظام الصحى العام ومقدمى الخدمة الصحية فى القطاعات الخاصة والأهلية، ودور الاستثمار فى الصحة ومفاهيمه عموما، ومفهوم حوكمة النظام الصحى وأعمدة الحكمة فيه الهامة مثل التشاركية المجتمعية والشفافية وإعمال القانون دون تمييز أو تضارب المصالح وإشراك المجتمع المدنى وبناء توافق واسع حول مفاهيم الإنصاف والفاعلية والكفاءة.

تعرضنا لسياسات المبادرات الصحية الرأسية فى سياق الإصلاح الشامل الصحى ودورها العاجل وطويل الأمد، ومفاهيم جودة الخدمات الصحية واعتمادها بمعايير محددة، وخطورة الاحتكار والفساد فى النظام الصحى على وجه الخصوص.

ظل موضوع الشراكة مع المجتمع المدنى بمفهومه الواسع ودوره فى الرعاية الصحية مشكلة جوهرية لم تناقش بالجدية الكافية حتى الآن لنضع استراتيجية واضحة لهذا الدور مستقبلا فى ظل تطبيق النظام الصحى الشامل حاليا. فماذا نعنى بالمجتمع المدنى؟

•  •  •

بالعودة تاريخيا لهذا المفهوم نجد أن المجتمع المدنى كان قائما منذ وقت طويل حتى قبل تأسيس ورسوخ مفهوم الدولة الحديثة فى بلادنا بسنوات وربما ساهم فى تأسيس هذه الدولة الحديثة فهو ما صنعه الناس بأنفسهم بتحقيق مصالحهم فى الحياة عموما؛ فى الصحة والتعليم والخدمات وغيرها من الحقوق التى تلبى حاجاتهم الأساسية، ففى التعليم مثلا كانت هناك كتاتيب لحفظ القرآن والتعليم قبل نشوء المدارس الحديثة. فى الصحة كان هناك المعالجون الشعبيون والمستوصفات والعيادات الصغيرة والمستشفيات الأهلية قبل نشوء النظام الصحى العام المملوك للدولة، هذا النظام الذى بدأ فى تأسيسه محمد على لخدمة مشروعه الإقليمى لبناء دولة حديثة فى المنطقة، ولذلك علينا أن نحدد أولا ماذا نقصد بالمجتمع المدنى أو بالتساند المجتمعى التلقائى.

سوف نجد أنه شبكة من الأنشطة والخدمات التى أسسها الناس بأنفسهم لتلبية حاجتهم الملحة فى حياة أفضل ومن المفارقات أننا نجد من مراجعة التاريخ أن مصر كانت تضم فئات وطوائف أجنبية كثيرة بها كانت هذه الطوائف والفئات تنشئ لها مدارس ومستشفيات لعلاج أفرادها (مثلا المستشفى اليونانى والمستشفى الإيطالى) وكذلك فى المدارس والتعليم كانت هناك مدارس لهذه الطوائف. فالمجتمع المدنى إذن هو جملة الأنشطة التى يؤسسها الناس بأنفسهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية خاصة فى التعليم والصحة، كما قلنا فهو مفهوم واسع وشامل للمجتمع فى المدينة والقرية، وإذا عدنا للوضع الحالى سنجد أن السؤال الأساسى أمامنا الآن بعدما تنامت مؤسسات المجتمع المدنى فى الرعاية الصحية هو ما هو دوره المنتظر فى ظل تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل؟ للإجابة على هذا السؤال سنجد عدة بدائل أمامنا فى هذا المجال تنطلق من واقع ممارسات هذه الكيانات المدنية غير المملوكة للحكومة وغير المملوكة أيضا لأشخاص بعينهم رغم إدارتهم لها، فهى منشآت خيرية غير هادفة للربح تتبع جمعيات أو مؤسسات أهلية. فما هى أدوارها؟

الدور الأول: هو المساعدة فى تقديم الخدمات الصحية كشريك لتحقيق التغطية الصحية الشاملة إلى جانب القطاع الصحى العام، وذلك دور يستحق الاهتمام والدراسة ورسم الخطط لتحديده وتنظيمه فى تناسق مع النموذج الذى يطرحه نظام الإصلاح الشامل فى الرعاية الأولية لطب الأسرة (نموذج تمت تجربته منذ بدء برنامج الإصلاح الصحى فى عام 1999 فى عدة محافظات مختلفة جغرافيا واجتماعيا كنماذج تجريبية؛ الإسكندرية شمالا والمنوفية وسطا وسوهاج جنوبا) ومراجعة مدى ملائمة هذا النموذج لوضع مؤسسات المجتمع المدنى فى الرعاية الصحية القائمة وكيفية إعادة تأهيلها لهذه الشراكة (كيف تحول مستوصف خيرى تابع لجمعية أهلية مثلا لمركز لطب الأسرة للرعاية الأولية).

منذ بداية سياسات الانفتاح الاقتصادى فى الثمانينيات من القرن الماضى ومع تراجع دور الدولة فى تقديم الخدمات الصحية أنشأ الناس بأنفسهم شبكة هائلة من المستوصفات والعيادات الخيرية عبر جمعيات أهلية فى أغلب الأحياء والمناطق من المدن والريف.

الدور الثانى المطروح قد يتمثل فى المساعدة فى تمويل النظام الجديد بناء على ما هو متاح لهم قانونا فى جمع التبرعات وخلافه من مصادر مالية. هذا أيضا جانب يستحق النظر ووضع آليات لتنظيم تكامله مع النظام التأمينى الشامل ومراقبة فعالية وشفافية استخدام هذه الأموال والتبرعات ونزاهة القائمين عليها.

الدور الثالث قد يتمثل فى المساعدة فى تقديم نماذج تجريبية لإدارة الوحدات الصحية العامة وليس تملكها أو الاستثمار فيها. فالمعروف أن دور وزارة الصحة فى ظل نظام جديد للتأمين الصحى لن يكون لتقديم خدمات صحية عدا الأنشطة المتعلقة بالصحة العامة والدور التنظيمى والسياسات الصحية بشكل عام. وأن هيئة الرعاية الصحية الجديدة ستكون هى المظلة التى تقوم بإدارة تقديم الخدمات الصحية بكل مستوياتها وأنواعها من خلال تعاقد مع القطاع العام والخاص والأهلى الذى يلتزم بشروط ومعايير الجودة ويحصل على الاعتماد الذى يضمن هيكل أجور عادلا للفريق الصحى كله، وتمييز المتميز فيه عبر نظام تحفيزى جيد طبقا لمؤشرات أداء محددة يمكن قياسها دوريا.

•  •  •

الخلاصة، فى هذه العلاقة نرى ضرورة الشراكة مع كل القطاعات الصحية الخدمية عامة وخاصة وأهلية وكل الإمكانيات المتاحة ولكن وفق مخطط استراتيجى عام منضبط لأداء أدوار محددة فى تقديم الخدمات الصحية وإداراتها والتعاقد على شرائها من هيئة التأمين الصحى الجديدة.

هذا ما تم تجريبه سابقا فى برنامج الإصلاح الصحى العام منذ عام 1999 (موثق فى وثائق وزارة الصحة فى محافظات الإسكندرية والمنوفية وسوهاج بتعاقد مع ما كان يسمى وقتها صندوق صحة الأسرة التجريبى مع وحدات خاصة وأهلية وعامة لتقديم خدمات مستوى الرعاية الأساسية وتحفيز العاملين عليها كما أسلفنا وهو ما يجب الاستفادة من دروسه ومراجعته حتى نوفر على أنفسنا عناء البدء من نقطة الصفر دائما لتظل الإشكاليات الصحية التى تبدو معقدة دون حل). فهل نتعلم أن نبدأ من حيث توقفنا؟.. نرجو ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved