داء الدواء وسباق إنتاج اللقاح
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 13 نوفمبر 2020 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
ربما كان الدواء هو الاختيار الذى يلجأ إليه الإنسان طائعا مختارا دون تفكير فهو أمر يتلقاه من الطبيب صاحب الأمر المعالج والمسئول وأهل الثقة. لكن الواقع أن الدواء ليس دائما مرادفا للشفاء بل إن الخطر قد يبدأ أحيانا مع استعمال الدواء.
ثلاث محطات أساسية يجب التوقف عندها إذا ما أردنا أن نتبين حقيقة الأمر فى علاقة الدواء بالإنسان. الأولى هى دور شركات الأدوية العالمية فى صناعة الدواء والتجارب العلمية والإكلينكية التى يجب أن تستوفى بأمانة فى مراحل تصنيعه المختلفة قبل أن تجيزه هيئات عالمية كوكالة الغذاء والدواء «FDA».
لا يتوقف دور تلك الشركات العملاقة على تصنيع الأدوية إنما الأهم دورها فى الترويج لتلك الأدوية لدى الأطباء والمؤتمرات العلمية التى تقام خصيصا للدفع بتلك الأدوية للأسواق التى بالطبع تختلف وفقا لجغرافيا السلطة والقوة. هى فى أمريكا وأوروبا غير تلك فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. والتى تختلف أيضا وفقا لنظم التأمين الصحى المتبعة فى تلك البلاد. فى البلاد التى تفتقر لنظم تأمين صحى تفرض حمايتها على الإنسان، يشترى الإنسان الدواء لنفسه على حساب مقومات حياتية أخرى مضطرا، أما فى البلاد التى تتمتع بنظام تأمين صحى فعال فإن الحكومات التى تسدد فواتير تلك الشركات فى موعدها.
تتبادل شركات الأودية العملاقة فيما بينها الأدوار والاختصاصات وأرقام للأرباح الفلكية والمواقع على خريطة المرض فى الكرة الأرضية. لا يهم أن تقع فى أخطاء جسيمة طالما أنها قادرة على تسديد غرامات «أخطاء الممارسة» إذا ما تصادف واكتشفتها الهيئات العالمية المعنية. لا بأس أيضا باحتواء الأزمة إذا ما خرجت للعالم بدواء كارثى كعقار الثالومين الذى تسبب فى إصابة جيل كامل بتشوهات خلقية وفقدان للأطراف. الخطأ دائما احتمال وارد يمكن الاعتذار عنه إذا ما ظل أطباء الدعاية يروجون بضرورة أن تستعوض السيدات ما ينقصهن من هرمونات الأنوثة إذا ما انحسرت لأسباب طبيعية مع السن رغبة فى التشبث بنضارة الوجه واستكمال رغبات الحياة. عشر سنوات كاملة كان الأمر فيها فرضا على كل المؤتمرات والمناسبات العلمية ووسائل الإعلام يدعو له الأطباء وتروج له شركات الأدوية وتبتدع من الأدوية والمستحضرات ما يدفع المرأة دفعا للشراء وتناول الهرمونات البديلة إلى أن تجلت الحقيقة المذهلة بالعلم أيضا، استعمال الهرمونات البديلة فى تلك السن يؤدى لإصابة المرأة بسرطان الثدى والرحم أيضا لإصابتها بنوبات قلبية صاعقة تودى بحياتها. لا بأس بأن تخفت الأضواء على المسرح فقد انتهى عرض الهرمونات البديلة ـ لكن الحركة ـ لا تهدأ بين الكواليس استعدادا للعرض القادم.
عام ٢٠١٠ سحبت وكالة الغذاء والدواء من الأسواق العالمية ثمانية أدوية كانت تستخدم بالفعل فى علاج الإنسان لأغراض مهمة منها مرض السكر والسمنة ومكافحة الألم لأنها تتسبب فى إصابة الإنسان بأنواع مختلفة من السرطان والأزمات القلبية المميتة والفشل الكلوى والكبدى!
يظل الحديث متصلا وإن ضاقت المساحة المتاحة له عن المحطة الثانية والثالثة. ولكن ما يحدث الآن فى العالم من سباق محموم على شراء اللقاحات التى يجرى إعدادها فى مراكز مختلفة عالمية يدفعنا للتريث والتفكير فى أمر فاعليتها الحقيقية. تضاربت الآراء حول اللقاح الروسى الذى روج له الرئيس بوتين بنفسه ثم لقاح أكسفورد الذى تمهل وأوقف تجاربه الإكلينيكية لظهور مضاعفات خطيرة غير مفهومة من جراء اللقاح لبعض المتطوعين. بينما يحقق لقاح فايزر الآن تقدما قد يضمن له قريبا التفوق على الجميع.
هل سيضمن الانسان حقا مشروعا فى الحصول على اللقاح الذى يضمن فرصة النجاة من غدر الفيروس، أم أن هناك من سيتعرض للحرمان من تلك الفرصة فينتهى إلى التهلكة ؟.
الواقع أن هناك قانونا ستفرضه الطبيعة على العالم بأسره كما فرضت الوباء. من سيحصل على اللقاح بقوة المال،عليه أن يتذكر أن الوباء تخطى كل الحدود فبدأ العالم أرضا متصلة بلا حدود سياسية تقسمه إلى دول وربما كان هذا هو الدرس الإنسانى العظيم الذى يجب أن نعيه الآن.