صحيفة المغرب ــ تونس فى أشكال الرد على العنف الممارس فى الفضاء المدرسى
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 13 نوفمبر 2021 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تناولت فيها ظاهرة انتشار العنف والكراهية فى تونس خاصة بعدما حدث أخيرا من اعتداء تلميذ على استاذه.. نعرض منه ما يلى.
لاشك أن التعبير عن مشاعر التعاطف مشروع ويعتبر واجبا أخلاقيا وإنسانيا تجاه الضحايا، ولكن حين تكون ردود الفعل متباينة وموصولة إلى الانفعالات ومنحازة أو منساقة وراء خطاب العنف فإنها تكون مدعاة للقلق والخوف. وبناء على ذلك يكون من المفيد التوقف عند أشكال تفاعل التونسيين/ات مع الظواهر والأحداث والأخبار والتأمل فى ردود فعلهم والحجج المقدمة للدفاع عن وجهة نظرهم فهى تعليقات وتصريحات تكشف عن الأزمة المجتمعية التى نمر بها. فالمندد بالعنف هو ذاته الذى ينشر صورة المعنف واسمه ولقبه فى محاولة لفضحه والتشهير بعائلته متناسيا أن نشر صور غير الراشدين اعتداء صارخ على الآخر وإيذاء له ولأسرته. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى من يشتم هذه الشرذمة من التلاميذ الممارسين للتهديد والمتشفين من الأستاذ/ الضحية فيطالب النيابة العمومية بالتحرك لإنزال أشد العقوبات عليهم ويدعو إلى إعدام المعتدى على أستاذه.. هو ممارس لشكل آخر من العنف فحين يتهاون الأستاذ/ة فى تقديم واجبه ويعنف التلميذ الذى لا يحضر الدروس الخاصة يكون بذلك أول مسئول. ولا تسأل عن الذى يدعى العصمة والاستقامة ويتناسى كم من مرة شتم تلميذا أو تنمر أو صفع أو أهان أو تحرش بتلميذة.
وإذا كانت ردود عامة التونسيين متسمة بالانفعال ومخبرة عن وقوعهم تحت أسر الأهواء (الغضب، الرغبة فى الثأر،...) ومعلنة عن علل الشخصية التونسية فإن سلوك من يزعم أنه قادر على تفسير سلوك هذا المعنف بكل ثقة، مثير للعجب والحيرة لاسيما عندما يصدر عن مسئول تربوى أو نقابى يعلن أن تصرفات التلميذ راجعة إلى إهمال الأسرة أو تعاطى المخدرات أو تهاوى البنية التحتية واختلال المنظومة التربوية.
وهكذا يسمح البعض لأنفسهم بأن يتخذوا موقع «العليم» بما يجرى فى الصدور فيحللون ويصدرون الأحكام.. دون انتظار لما سيوفره البحث والتحقيق من معطيات. أما المطالب بسن قانون يجرم الاعتداءات من موقع من يملك سلطة الضغط فإنه يتناسى رفضه لمنطق جعل القضاة يتحصلون على امتيازات على حساب قطاعات أخرى، ورفضه لقوانين تجرم الاعتداء على مختلف المنتمين إلى القطاعات الصحية والأمنية وغيرها.
هذه عينة من ردود الفعل المخبرة عن شيوع المواقف المتناقضة والنفاق الاجتماعى وغياب الانسجام الفكرى والسلوكى. فمن السهل أن تجرفنا العواطف فننخرط فى خطاب الكراهية والإدانة ونبحث عن كبش فداء نعلق عليه جميع الأخطاء. فى المقابل ننزه أنفسنا عن ممارسة أشكال من العنف، وندعى الطهرانية والالتزام بالمبادئ والأخلاق والقيم ومن السهل أيضا أن نتموقع فى مقابل الآخر /المجرم/المتوحش/الشيطان.
ولكن لابد لنا أن نقر اليوم بأنه قد صار من العسير أن نتدبر ظاهرة العنف بشكل عقلانى ومعمق، وأن نسعى إلى فهمها فى بعدها الشمولى والتقاطعى. فمن استهان باغتصاب الفتيات والكهلات والمسنات والأطفال وأصحاب الهويات اللا معيارية ولم يحرك ساكنا أمام حوادث قتل النساء واعتبر أن العنف الزوجى أمر خاص، واستمتع بتعنيف نائبة فى البرلمان لا يجوز له اليوم أن ينتصب مدافعا عن حقه فى الحماية وسن تشريع «قطاعى» التوجه. إن الحق فى الحماية لا يتجزأ وفق القطاعات، والقوانين لا يمكن أن تكون هى بدورها، مكرسة للتمييز على أساس القطاع، والطبقة، والسن والدين والمذهب.
ومن أدمن على استهلاك مضامين (الراب، المسلسلات، الأغانى، الأفلام، النكت...) ترسخ العنف اللفظى والمعنوى والمادى والرمزى واستمتع بما يقدمه الإعلام من برامج «تسلية» لا يمكن له أن يثور اليوم ضد إنتاج الرداءة. فالمواطنة المسئولة تقتضى رد الفعل الفورى لا المناسبتى، وهو رد من أدرك حقه فى التفاعل مع ما يقدم له من موقع نقدى.
ولأن بُنى العنف والهيمنة متشابكة يتداخل فيها السياسى مع الاجتماعى والاقتصادى والثقافى والدينى فإنها تنتعش فى سياق الأزمات واستشراء ظاهرتى الفساد والإفلات من العقاب وغياب الإرادة السياسية والتمادى فى تجاهل التحولات القيمية والسلوكية والاجتماعية.
ولذا فإنه سرعان ما سينسى الناس حادثة الاعتداء على الأستاذ وعبارات المناصرة والدعم والتعاطف ليعودوا إلى سالف نشاطهم: لينتهكوا كرامة الآخر ويشتموا ويسخروا، ويتحرشوا، ويغضوا الطرف أمام القمع البوليسى.