سويسرا التى نعرفها
أمل حمادة
آخر تحديث:
الإثنين 13 ديسمبر 2010 - 12:49 م
بتوقيت القاهرة
مرت نتيجة الاستفتاء الذى جرى فى سويسرا فى 28 نوفمبر، بخصوص طرد العمال الأجانب المتهمين بارتكاب جرائم، مرور الكرام على وسائل الإعلام المصرية. فباستثناء إشارة هنا أو هناك لم تكن هناك محاولة لتحليل نتيجة الاستفتاء الذى حظى بأغلبية 53% من الناخبين السويسريين وبإدانة أوروبية واسعة لما سموه بتطور يمينى فى التوجهات السويسرية. وبموجب هذه الموافقة، أصبح للحكومة الحق الأوتوماتيكى فى طرد العمال الأجانب المتهمين بارتكاب جرائم بعد قضائهم مدة السجن لمدة تزيد على العام، ويحظر على هؤلاء المطرودين العودة إلى سويسرا لمدد تصل إلى عشرين عاما.
كان لى حظ زيارة سويسرا للمرة الأولى فى الأسبوع الذى سبق التصويت ضمن مجموعة ضمت عددا من شباب الصحفيين المصريين والسودانيين فى إطار مشروع مشترك بين مؤسسة سويسرية تهتم بدراسة أوضاع الأديان ReligioScope ومؤسسة أون إسلام الصحفية . وخلال هذا الأسبوع تم تنظيم عدد من اللقاءات مع رموز دينية مسيحية وإسلامية ويهودية، كما مع رموز لتيار اليمين ممثلا فى حزب الشعب السويسرى بالإضافة إلى حزب الخضر المعارض. وخلال الأسبوع قدمت لنا سويسرا فى برنامج شديد التكثيف وشديد التنوع سمح للمشاركين باختبار كثير من المعلومات حول سويسرا التى نعرفها، أو بالأحرى التى لا نعرفها.
ذكر لنا أول المحاضرين أنه فى تعريفه بدولته لابد من تذكير الحاضرين بأن سويسرا هى بلد الأبقار السعيدة والشيكولاتة والساعات المشهورة بدقتها تمييزا لها عن دولة السويد. هذه الملاحظة السريعة تعكس جوهر مخاوف السياسيين على الهوية السويسرية. سويسرا التى لا نعرفها فى مصر تتكون من أربع مجموعات لغوية تتوزع على جغرافيا الأرض، الجزء المتحدث بالألمانية يشغل ما يقرب من 70% من المساحة، ويليه الجزء الفرنسى 20%، والجزء الإيطالى ما يزيد قليلا على 6%، وتأتى الأقلية الرومانشية فى أدنى القائمة من حيث العدد والتأثير على صنع القرار السياسى.
ويعكس هذا التباين نفسه على قدرة الأطراف المختلفة على التأثير على القرار السياسى فى دولة مازالت تتبنى الديمقراطية المباشرة وسيلة للحكم، ما يجمع بين السويسريين هو تأكيدهم على طبيعتهم المختلفة عن باقى الشعوب الأوروبية وإصرارهم على البقاء بعيدا عن صراعات القارة العجوز والعالم بأكمله.
وفى ظل حالة السيولة الدولية المرتبطة بالعولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية، لا يبدو أن هناك طريقا للحفاظ على هذه الطبيعة سوى رفض كل ما هو ليس سويسريا.
إلا ان محاولة للغوص أكثر فى المجتمع السويسرى تكشف لنا عن درجة من الانقسام الداخلى كشف عنها الاستفتاءان . فبعد دعاية مكثفة وجهود استثنائية من حزب الشعب السويسرى (الراعى للمبادرتين) حصل الاستفتاء الاول على نحو 57% والثانى على 53% من أصوات الناخبين. مما لا يمكننا من إغفال ما يقرب من نصف الشعب الذى صوت رفضا فى المرتين وزاد عدده فى المرة الثانية بشكل كاد يهدد نجاح المبادرة. ففى مقابل الخوف من كل ما هو ليس سويسريا، هناك إدراك بضرورة الانفتاح على ما أصبح حقيقة وواقعا جزءا من الواقع المعاش. فوجود العمال الاجانب بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية أو اللغوية مسألة ضرورية لاستمرار الاقتصاد السويسرى واستمرار مستوى المعيشة بشكله الحالى. ووجود المسلمين سواء كجيل أول أو ثان من المهاجرين أو من السويسريين الذين اعتنقوا الإسلام أصبح مسألة تفرض نفسها على المجال العام السويسرى، بالرغم من قلة عددهم نحو 5%. ومن ناحية ثالثة هناك إدراك شعبى بعدم إمكانية الانعزال بدعوى الحياد عن العالم الذى تقل فيه تأثير الحدود الجغرافية، وتزيد فيه أهمية وعى المجتمعات والحكومات بضرورة تبنى سياسات وإجراءات إدماجية لتفعيل مجتمعاتها على كل المستويات.
واجتمعت المجموعة قبيل التصويت مع عضو للبرلمان يعتبر العقل المدبر لحزب الشعب السويسرى الذى أظهر ثقة من جانبه بأن التصويت سيأتى لصالح طرد العمال الأجانب. وحينما نوقش فرايزنجر (من حزب الشعب) بشأن التداعيات التى يمكن أن تترتب على مثل هذه المبادرة من احتمالات إدانة أو عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبى، أعلن بكل ثقة أنه على استعداد لتحمل كل النتائج المترتبة على اختيار الشعب وتصويته لصالح مبادرته.
نحن هنا أمام موقف جماعة سياسية تعتمد فى شرعيتها على الرضاء الشعبى بغض النظر عن قبول المجتمع الدولى لقراراتها، لسنا هنا فى معرض الحكم على صلاح التصويت من حيث تداعياته السياسية والحقوقية على كل من المجتمع السويسرى بشكل خاص والمجتمع الأوروبى بشكل عام ولكننا بصدد مناقشة العلاقة بين الداخل والخارج وقدرة سويسرا على الاستقواء بالداخل فى مواجهة أى ضغوط خارجية. وهو الأمر الذى يستدعى للمقارنة حكومات وجماعات سياسية تفعل العكس تماما فتستقوى بالخارج ضد مواطنيها مستهينة برضاء شعوبها وبشرعيتها.
وأخيرا تطرح هذه المبادرة عددا من الأسئلة التى تتعلق بالجماعة المستهدفة منها ؛ هناك العديد من التقارير التى حللت موقف سويسرا من حظر بناء المآذن فى إطار تصاعد ما عرف بالاسلاموفوبيا فى الغرب بشكل عام، وتربط هذه التقارير بين مبادرة 2009 والمبادرة الحالية لتدلل على زيادة العداء للإسلام والمسلمين، وهو أمر محل مناقشة ولكن يجب وضع هذه المبادرة الأخيرة فى إطار من تصاعد شعور معاد لكل ما هو أجنبى.
فحسب العديد من التقديرات، فإن أعداد المهاجرين المسلمين من خارج أوروبا هى الأدنى بين المهاجرين الذين يشكلون نحو 20% من عدد السكان. بعبارة أخرى فالعدد الأكبر من المهاجرين هم من أصول أوروبية يشتركون فى العديد من السمات الشكلية والثقافية واللغوية مع واحدة أو أكثر من الجماعات الأربع التى تكون سويسرا الحديثة، وقليل منهم هم المسلمون ؛ ومع ذلك استطاع حزب الشعب من خلال دعاياته التى ملأت محطات القطار والمترو والشوارع الرئيسية أن يصورهم فى شكل الخروف الأسود الواجب طرده من جنة سويسرا البيضاء. نحن هنا أمام حالة من الخوف والرعب ممن لا نعرفهم، حتى لو استفدنا من وجودهم اقتصادا وسمعة دولية، نحن أمام احتمالات توجه سويسرا للانغلاق على نفسها وعلى جماعاتها الأربع. هل سنشهد مزيدا من الانغلاق فى ظل تصاعد لأشكال من عدم الاندماج بين السويسريين الأصليين ــ إن جاز لنا استخدام هذا التعبير ــ أم أن ضغوط الواقع الدولى المبنى على درجات متزايدة من الانفتاح على الخارج ستفرض نفسها على الواقع السويسرى؟ موعدنا المبادرة التالية لحزب الشعب الذى تبنى قضية المهاجرين كمسألة بقاء أو فناء.