البوصلة
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الخميس 14 يناير 2010 - 9:32 ص
بتوقيت القاهرة
المكان: فصل أولى أول ابتدائى.. الزمان: حصة الرسم.. أنا بارسم موضوع عيد الطفولة وجنبى (ماجد) بيلح علىَّ عشان يستلف علبة الألوان.. هاتيها بأه.. لأ.. عشان خاطرى.. لأ .. لو عايزها قول أشهد أن لا إله إلا الله.. طب أقول كده وتديهالى؟.. آه.. طيب أشهد أن لا.. لأ استنى استنى ما تكملش يا وله لحسن تبقى مسلم.
بافتكر الموقف ده كتير وباسأل نفسى: إيه اللى يخلى طفلة فى ابتدائى عمرها 6 سنين تحاول تأسلم زميلها المسيحى؟!.. اللى هييجى فى دماغكم إن أنا أكيد أهلى شحنونى وهم اللى شجعونى على كده، لكن الحقيقة ماحصلش، كل اللى حصل، إنى أول ما دخلت مدرستى الابتدائية اللى كان فيها عدد كبير من المسيحيين وشوفت إزاى بيفصلونا عن بعض فى حصة الدين، سألت والدتى ــ رحمها الله ــ إيه الفرق بين المسلمين والمسيحيين؟ وهى ردت برد يناسب طفلة فى ابتدائى: إحنا بنقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهم لأ.
والدة (ماجد) بأه كانت موصياه مايلعبش مع مسلمين، وأنا بصراحة كنت باحب كلنا نلعب مع بعض، فيظهر جاتلى الفكرة الجهنمية دى إن لو كلنا بقينا مسلمين زى بعض.. كلنا هنلعب مع بعض، وطبعا بعد ما (ماجد) حكى لمامته ومامته حكت للناظر والناظر استدعى ماما.. كان نصيبى علقة محترمة لسه معلمة على عقلى الباطن لحد دلوقت.
لكن زى ما اكتشفت إن والدة (ماجد) منعته يلعب مع المسلمين، وحاولت أحل الموضوع بطريقتى العبقرية اللى كانت هتودينى فى داهية دى، اكتشفت بعدها بشوية إن والدة (منى) زميلتى فى الفصل منعتها تاكل من أكل المسيحيين، عشان كده شدت من إيدى قطعة كيك إدتهالى (ريموندا) زميلتنا فى نفس الفصل، ورمتها ع الأرض، وقالتلى إن مامتها قالتلها إن المسلمين ما ياكلوش من أكل المسيحيين، عشان كله لحم خنزير.. فكرت كتير طب وهم بيعملوا الخنزير ده كيكة إزاى يعنى؟.. وبرغم عدم اقتناعى إن دى كانت كيكة خنزير لكن خوفت وما اطمنتش غير لما ماما تانى يوم عملتلى سندوتشات زيادة، وقالتلى إدى لـ(ريموندا) وخدى منها.
لكن على مدار حياتى كلها كنت باشوف كتير من عينة والدة (ماجد) ووالدة (منى)، والكتير زيهم من الجانبين، اللى مامتها قالتلها ما تلعبيش مع مسلمين، واللى باباها قالها ما تعيديش على المسيحيين، اللى مابيسكنش فى بيته غير مسلمين، واللى ما بيشغلش عنده غير مسيحيين، واللى بتأكد لابنها إن المسيحيين ريحتهم وحشة، واللى بيعلم أولاده إن المسلمين عايزين يدبحوهم، الكلام عن إن كل الكنايس فيها أسلحة، والتأكيد على إن كل المساجد مليانة سيوف.
النظر بارتياب للطرف الآخر موجود ومنتشر بين الجانبين، مابينفعش معاه شعارات يحيا الهلال مع الصليب، ولا أفلام الوحدة الوطنية، ولا أغانى زى «ده كلام جرجس وعم نصر، يبقى انت أكيد أكيد فى مصر»، ما ينفعش نفضل نؤكد إن كل حاجة تمام وكل شىء 100 فل وأربعتاشر، فى حين إن الكلام ده غير صحيح.
المصريون شعب مسالم صحيح، لكن مش كل تعصب لازم يرتبط بالعنف، فيه نسبة كبيرة من التعصب موجودة فينا ولازم نعترف بكده، اللى حصل فى نجع حمادى وقبلها وهيحصل بعدها من حوادث بتوضح ده، أى جريمة جنائية يتصادف إن فيها طرف مسلم وطرف مسيحى كفيلة بإنها تقلب بفتنة يروح ضحيتها أبرياء كل تهمتهم إنهم من الدين ده أو الدين التانى، التعصب فى مجتمعنا نتاج لتربية بنترباها وتعليم بنتعلمه وحاجات بنتوارثها بدون ما نفكر فيها بمنطقية، وكل شىء بيبتدى بالبيت وبالتربية، أنا أمى كانت بوصلتى، منها اتعلمت إيه الصح وإيه الغلط وازاى أتعامل مع زمايلى وأصحابى من المسلمين والمسيحيين، وازاى أقول رأيى للمتعصبين منهم، علمتنى يوم ما عملت الساندوتشات لـ(ريموندا) ويوم ما روحت أنا وهى نحضر إكليل بنت زميلها (جورج) فى الكنيسة اللى كانت يومها ــ بفضل نجاح أمى فى إقناع بقية زميلاتها ــ مليانة بزميلاته المسلمات المحجبات، ويوم ما روحنا للدكتور (بطرس) نعترض على إنه رفض يدربنى فى صيدليته بعد ما اتخرجت من الكلية، لأنه مابيدربش غير المسيحيين، ويوم ما اتخانقنا مع صاحب سوبر ماركت لما حاولنا نفهمه إنه مايصحش يقول على حد (خواجة) لمجرد إنه مختلف عنه فى الدين.
أمى كانت بوصلتى ولازم كل واحد فينا يبقاله بوصلة، ويعتبر نفسه بوصلة تدل اللى حواليه على الطريق الصحيح، ويحاول يدل اللى أخطأ أو ضل عن الطريق. التعصب فى مجتمعنا ميراث لازم نبطل نتوارثه ونصدره لبعض، وإلا المجتمع ده دايما هيبقى على بعد شرارة واحدة من الانفجار.